من نعم الله على هذا البلد بلد الحرمين الشريفين نعمة الإسلام، ونعمة الأمن التام في أرجائه، وذلك بإقامة الحدود الشرعية لحفظ الأنفس والأعراض، وحماية الممتلكات الخاصة والعامة، وبمد يد العون بسخاء إلى الفقراء في معظم البلدان الإسلامية والعربية المجاورة والنائية سواء المنكوبة منها والمصابة بالجوائح، أو بجفاف أراضيها رجاء المثوبة من رب العالمين، وفي الحديث المرفوع عن أبي أمامة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صنائع المعروف تقي مصارع السوء) أخرجه الطبراني، ولكي تدوم خيرات هذا الوطن ونعمه، فإنه يلزم الحفاظ على دوامها بعدم المبالغات والمباهات في هدر الأطعمة وما يوضع عليها من لحوم جزلة عالية الثمن لا يأكل منها إلا النزر اليسير، ثم ما يلبث العمال بتعجيل إفراغ تلك الصحون الكبيرة كثيرة العدد بأحواض الحاويات - كرم الله النعمة وحفظها من الزوال- ألا يعتبر ذلك من الاستهانة بنعمة الله علينا معشر أبناء هذا الوطن الآمن؟ والغريب في ذلك أن أغلبها مستورد من الخارج عالي الثمن، فلو توقف استيرادها شهراً واحداً أو شهرين لسبب من الأسباب لتبينت الحاجة الماسة إلى وجودها، ولقد أجاد الشاعر حيث يقول:
إذا كنت محتاجا إلى الغير دائما
يخونك من تحتاجه في الشدائد
فالاقتصاد والاعتماد على الله ثم على سواعد أبناء الوطن فيما يقدمونه من إنتاج حيواني وزراعي يقلل من الاعتماد على الغير..، مع القصد في الاستهلاك وعدم الإسراف فإن في ذلك حفظاً للنعمة ومرضاة للرب المنعم على عباده القائل في محكم كتابه {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} الآية، أما علموا أن أفضل الزواجات أيسرها تكلفة وأحراها بالتوافق بين الزوجين، وقد سبق أن كتبت في هذا المجال أكثر من مرة متمنياً دوام التوافق بين الطرفين، والموجب للإعادة في مثل هذا الموضوع ما شاهدته من صور عبر وسائل التواصل بين الأسر وأفراد المجتمع لعشرات الصحون المملوءة بالأرز واللحوم تتناقلها أيدي العمال وتقذف بها في الحاويات، ويعلم الله أني قد تأثرت وتألمت كثيرا لذاك المنظر المتنكر لنعمة الله على عباده، فمتى نصحو ونحافظ عليها مع شكر المولى على تيسيرها لنا واستمرارها؟ ويا حبذا لو وضعت الأطعمة في صحون صغيرة، كما يفعل بعض أهالي القصيم، وفي مقدمتهم الشيخ الراحل صالح بن عبدالعزيز الراجحي - رحمه الله - ويكون ذلك قبل العاشرة ليلا ليستفاد منه طريًا إن بقي منه شيء، وكثير ما يقال فيه جمعيات خيرية تستقبل الفائض من أطعمة الولائم وخاصة ولائم الزواجات وتسليمها لمستحقيها..، فهذا شيء محمود وجميل جدا، والأجر فيه مضاعف، ولكن هل الجمعيات تستوعب كل الفائض من أطعمة آلاف المناسبات وخاصة في مثل مدينة الرياض، بل إن ذلك مستحيل وغير ممكن، فالحل باختصار الاقتصاد والاقتصار في الدعوات على الأقارب والأصدقاء ويكون ذلك في المنازل الرحبة إن أمكن، وإلا في أحد المواقع قليلة التكلفة، مُتمنياً دوام التوفيق والسعادة للجميع، ولقد أحسن الشاعر حيث يقول:
لا خير في الإفراط والتفريط
كلاهما عندي من التقصير