مع الاعتذار للمثل المتداول كثيرا والذي يقول إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، فأنا قد استعرت هذا المثل وبدلت فيه قليلا عنوانا لما سأتحدث عنه، وبالتحديد الركض وسنمر على المشي قليلا لبيان أهميته بصحة الإنسان. والمقصود بالمشي ليس مشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل ولامشي الخيلاء والمرح فقد قال تعالى {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ. وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} وإنما المقصود بالمشي هو المشي المعتدل المعروف في قاموس الرياضيين الذي يترك آثارا جانبية بإذن الله تعالى على من قام به, وما ينشده من أهداف وغايات وقد تنبه له بعض الناس بحمد الله في الوقت الحاضر وأصبح المشي هواية لدى بعضهم بعد ما لاحظوا كثرة فوائده التي عاد عليهم بأشياء كثيرة لست بصدد الحديث عنها في هذا الموضوع.
وأما الركض فهو الجري ومنه يقال له الهرولة الخفيفة أو العدو ولذا تقول البادية فيما مضى إذا أردت أن تأمر شخصا باللحاق بماشية وبإرساله إلى مهمة عاجلة إعد والركض المطلوب هنا كل على مقدرته، فمن يبدأ المشوار لابد أن ينهيه والنار تبدو من مستصغر الشرر ويقول الشاعر:
من طلب العلا من غير كدٍ
سيدركها إذا شاب الغراب
فالوصول إلى غايتك قارئ العزيز في الركض لابد من الجد والاجتهاد والمواظبة على ذلك حسب ظروفك ومقدرتك وستجد النتائج مثمرة جدا بمشيئة الله تعالى لكن لا تيأس ولا تستعجل ولا تقول: إنه قلما يتوفر الوقت للركض على أن تتحين الفرص للركض في أي وقت ولاسيما إذا ما نظمت لك وقتا محددا لذلك، ومن السهل تمييز الإنسان الذي يخصص وقتا للركض فترة معينة كل يوم أو حتى كل أسبوع رغم شدة انشغاله بعمله إنه إنسان دائم التحفز للركض وهو يكره الجلوس والالتزامات والاجتماعات الطويلة وخاصة إذا كانت على الموائد، وهو كذلك دائم السفر وزائد النشاط بشكل يدعو للدهشة وسر نجاح هذا النوع من الناس يكمن في الركض، فالركض رياضة تتميز عن غيرها من الرياضات بشدة ما تجلو الروح وتنعش الجسد وتجعل الفكر يخلو من كل شائبة، إنه إن تمثلت بهذا النمط ستشعر حتما بالطمأنينة وصفاء النفس، لأنك أنت مالك لنفسك فأنت إن أردت أن تسرع وإن أردت أن تبطئ، ثم إن تعبت تتوقف، فالركض فرصة لك للخروج والتعرف عن كثب إلى أفكارك المبدعة البعيدة عن متاعبك اليومية وأشغالك المملة إذا كيف تجد الوقت للركض؟ كما قلت في مقدمة هذا الموضوع الإجابة بسيطة جدا إذ إنك ستجد الوقت الكافي إن أردت ذلك وبسهولة أيضا ولكن الشرط هو أن تبحث عن الوقت بحثا، إننا نجد الكثير من العدائين الذين يصرون على أن يكون الركض رياضتهم اليومية، ومن بين هؤلاء أطباء وصيادلة ومحامون ومعلمون بل ومتقاعدون ومهن أخرى، وقد يخلو وقت هؤلاء من الراحة ولا يستغنون عن رياضتهم المفضلة كما لا تستغني عن تنظيف أسنانك أو لنقل عن طعامك والمسألة هي أين وكيف تجد الوقت؟ كل منا له برنامج يختلف عن غيره من الناس وكل منا له واجبات وحقوق، أليس لجسمك حق عليك؟
إنك بالتأكيد تستطيع إيجاد الوقت للترفيه والذهاب للاستراحات ولإقامة الولائم التي تأخذ من وقتك اليوم واليومين والثلاثة والنتيجة ما هي؟ أليس جسمك المتعب أحق من كل هذا؟ إنك إن عقدت العزم على ذلك فهل بإمكانك أن تجد وقتا مناسبا للركض في النهار؟ في هذه الحالة تكون التضحيات مهمة ولكنك قد تستطيع الاستغناء عن بعض النشاطات غير الملحة أو لعلك تعمد إلى الاستيقاظ قبل ساعة من الوقت الذي تستيقظ فيه الآن «نم مبكر» والله إنه أصح لك كثيرا وفوائد ذلك كثيرة ستجد هذه التضحيات غير مهمة عندما تشعر بالحيوية والنشاط الذي يعوض الركض عنها ولا يستطيع بعض الناس الاستغناء عن القيام ساعة أبكر من المعتاد بتخفيف النشاطات الاجتماعية غير الملحة أو الجلوس في الاستراحات وعند التلفاز كثيرا وبالمقاهي ولعب الورق وما لا فائدة له.
اركض يا عزيزي القارئ طالما أن الفرص سانحة لك وحاول أن تنتهز الفرص المناسبة للركض في أي وقت من اليوم وبهذه الطريقة تحتال على الوقت وتوفر على نفسك عناء القيام باكرا إن كان ذلك صعبا عليك.
أما فوائد الركض فهي كثيرة جدا لا أستطيع حصرها في هذه المقالة المتواضعة أولا وثانيا لست متخصصا في هذا المجال وكم يكون بودي لو علق على هذا الموضوع أصحاب الاختصاص إذا كان مهما في نظرهم كقراء أو متخصصين، وأما وسائل الإعلام لدينا فأقولها بأمانة سامحها الله وكأنه لا يكون في الرياضة سوى كرة القدم إن الإعلام الناجح هو الذي يوضح الفوائد الكثيرة سواء كانت صحية أو اجتماعية أو رياضية وهو الذي ينزل إلى الميدان ليرى بعينه كيف تزاول أنواع الرياضات الأخرى المشوقة التي تطعم برامج إعلامنا وصحفنا بما هو معين، وأما بعض فوائد الركض فأوضح جزءاً صغيراً منها حتى لربما يستفيد القارئ منها:
- معزز لثقة الإنسان بنفسه.
- عامل مهدئ للأعصاب.
- علاج لمرضى القلب والضغط والسكري ولكن بعد استشارة الطبيب.
- يقوي الإرادة ويحفز الإنسان على بلوغ أهدافه بثبات.
- يساعد الجسم على المرونة وحسن تكيفه مع تقدم السن.
- معزز للقدرة الجنسية للرجال والنساء.
- يجعل الجسم رشيقا متناسقا مع بعضه البعض.
- يقضي على الأرق والتقلبات في النوم.
- ينظم الوقت تماما.
لن أطيل في هذا الموضوع ولكن نصيحتي المتواضعة لإخواني القراء خاصة والمسلمين عامة أن يركضوا على قدر استطاعتهم، وإن لم يكن كذلك فامشوا ولو خطوتين.. وابعدوا عنكم الذل والكسل والهوان تكونون بمشيئة الله تعالى من الأصحاء الذين يستطيعون تأدية أعمالهم الدينية بكل سهولة ويسر وكذلك الدنيوية والله المستعان.