كتب - حمد حميد الرشيدي:
الشاعر المعروف حسن محمد الزهراني شاعر كبير، له تجربته الشعرية المعروفة على ساحتنا الأدبية, وأحد الأسماء الشعرية البارزة التي ساهمت في دفع عجلة الحراك الشعري السعودي لدينا على مدى عقود طويلة من الزمن.
إنتاجه الشعري غزير, وقد صدرت له دواوين شعرية عدة, وامتاز شعره بالرقة والعذوبة وسلاسة اللفظ ووضوح المعنى وشمولية الرؤية, وغلبت على شعره مسحة دينية، وطابع إيماني وتأملي وتفكيري في الحياة والموت.
يُضاف إلى ذلك حضوره المكثف في بعض المؤسسات الثقافية كعضو أو مشارك في أنشطتها وفعالياتها؛ فهو رئيس (نادي الباحة الأدبي)، وعضو الجمعية السعودية للأدب العربي, وعضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية, وغيرها.
هذا فضلاً عن مشاركات الزهراني النشطة في كثير من الفعاليات الأدبية والثقافية على الصعيدين المحلي والعربي.
ويأتي ديوانه الموسوم بـ (أ: ي) الصادر عن (دار الانتشار العربي) ببيروت عام 2014م كأحدث إصدار شعري له، سبقه صدور تسعة دواوين للشاعر, كان أولها بعنوان (أنت الحب) الصادر عام 1408م، وآخرها الذي كان بعنوان (هات البقية) الصادر عام 1434هـ.
أما ديوانه هذا الذي هو محور حديثنا هنا فهو يقع في حدود 90 صفحة من القطع الصغير, وتضمن مجموعة من النصوص الشعرية التي تناولت جميعها - تقريباً - غرضاً شعرياً واحداً، هو (الرثاء) والتعازي والمواساة؛ إذ لا نجد الشاعر في ديوانه هذا إلا راثياً, أو معزياً, أو مواسياً.
والزهراني حين يقتصر ديوانه هذا على (المراثي) دون غيرها من الأغراض الشعرية الأخرى التي عرفها شعرنا العربي فإنه قد جعل من هذا اللون الإبداعي منطلقاً لفلسفته في (الحياة والموت)، والتفكر فيهما, وتدبر الحكمة من وراء الخلق والكون والوجود الإنساني في الدارين (الأولى والآخرة)، وكيف أن الله - جل وعلا - لم يخلق شيئاً عبثاً, كما ورد في قوله تعالى في سورة الملك {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}.
ولذلك فقد كان شعر (الرثاء) في أدبنا العربي - منذ أن وُجد - مجالاً خصباً للتفكر في خلق الله، وفي (الحياة والموت) والخلود والفناء، وفي السعادة أو الشقاء في الحياة الدنيا, أو النعيم والعذاب في الآخرة؛ وذلك لكون (الرثاء) دون غيره من الأغراض الشعرية الأخرى الشائعة في شعرنا العربي, وعلى مر عصوره، كالمديح والوصف والغزل وغيرها، هو أقرب الفنون الشعرية لمخاطبة الذات الإنسانية والتماس ما يسرها وما يحزنها, بل أصدقها جميعاً في وصف مشاعر الإنسان وعاطفته تجاه حبيب أو قريب أو صديق فقده في هذه الدنيا, بل أسرعها تأثيراً في المحيط الاجتماعي لهذا الإنسان أو ذاك.
لقد جاء ديوان حسن الزهراني هذا كله عابقاً عن آخره برائحة أحِبته وأصدقائه وأقاربه الذين افتقدهم في هذه الدنيا, راجياً أن يجمعه الله بهم في الدار الآخرة حيث النعيم والسعادة الأبدية. وكان وفياً لهم في حياتهم ومماتهم, أحبهم واحترمهم أحياءً, ورثاهم ودعا لهم بالخير والرحمة والغفران أمواتاً, وواسى أقاربهم, ومن تربطهم بهم علاقة إنسانية أياً كان نوعها (علاقة قربى, أو صلة رحم, أو صداقة أو زمالة)، وعزاهم متمنياً أن يلهمهم الله الصبر والسلوان, وأن يجبر مصابهم فيما فقدوه.
ومن أبرز القصائد الرثائية في هذا الديوان قصيدة رثى بها الشاعر الملك/ فهد بن عبدالعزيز، خادم الحرمين الشريفين - رحمه الله تعالى -، جاء من ضمنها قوله:
بكى القلبُ والعينانِ والروحُ والقَلَمْ
بشعر ودمع في زفير الأسى وَدَمْ
وكيف يلامُ الثاكلون إذا بكوا
وحاق بهم حزنٌ توشَّحَ بالسَّأمْ
بكوا فهدنا الغالي وقد ضَمَّه الثَّرى
بكوا صاحِبَ المجْدِ المُؤَثَّلِ والشِّيَمْ
وثمة قصيدة رثائية أخرى بعنوان (غروب الحديقة)، خصَّ بها الزهراني الدكتور الشاعر غازي القصيبي - رحمه الله -، ورد من ضمنها قوله:
لم تزلْ روحُ غازي
تلَمْلمُ أشلاء أحلامنا
من قِفار المآسي
التي حاصرتنا
وتغسل أكْبادنا في غدير المنى
من جحيم الحَزَنْ
وثمة قصائد رثائية أخرى ضمها الديوان, بعضها كان في رثاء شخصيات عامة من رجال الأدب والعلم والفكر والثقافة في بلادنا, وغيرها من البلدان العربية الأخرى, مثل قصيدته الرثائية في الأديب والكاتب السعودي المعروف/ محمد سعد فيضي, وأخرى في الشاعر العربي الفلسطيني الكبير محمود درويش, وثالثة في شاعر الغزل والحب والجمال الشاعر العربي السوري الكبير نزار قباني، وغيرهم - رحمهم الله جميعاً -.
وهناك قصائد رثائية أخرى كانت أكثر خصوصية، أبرزها تلك القصيدة العصماء المطولة التي رثى بها الزهراني والده - رحمه الله تعالى - ألا وهي تلك القصيدة التي جاءت تحت عنوان الديوان نفسه (أ: ي)، والتي جاء من ضمنها قوله:
ما زلت أذكرُ يا أبي ألَقَ الضُّحى
في وجْنَتْيك وفي يَديْكَ عَطاءُ
ما زلتُ أذكرُ في جبينك لُؤْلُؤاً