الدمام - فايز المزروعي:
أكد خبير في السياسات النفطية أن أحد أهم الأسباب الرئيسية، إذا لم تكن الأهم في تراجع أسعار النفط، يكمن في إشارة البدء بالتغيير الجذري في سياسة منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في أواخر عام 2014 وتبنيها إستراتيجية مغايرة لإستراتيجيتها السابقة، في محاولة منها للحفاظ على حصتها في أسواق النفط، «أي بالدفاع عن حصة أوبك السوقية» التي بدأت تتعرض للتآكل بفعل المعروض المنافس من مصادر خارج دول أوبك، وبقرار أوبك عدم اتخاذ أي سياسة لخفض إنتاجها في ظل المعروض النفطي الكبير، كما كانت عليه إستراتيجيتها السابقة، حيث أطلقت منظمة أوبك الإشارة لبدء التغيير في الإستراتيجية التي كانت متبعة في السابق.
وقال الدكتور راشد أبانمي رئيس مركز السياسات النفطية والتوقعات الإستراتيجية، في حديث خاص لـ» الجزيرة» إنه في وقت كانت العوامل الأساسية لسوق النفط لا تبرر التراجع الحاد للأسعار في الفترة الأخيرة، ومن دون التطرق للمبررات التي أدت إلى تغيير أوبك سياستها، إلا أن السوابق التاريخية تبين أنه في كل وقت تغير (أوبك) إستراتيجيتها السوقية، يتبع ذلك التغيير انخفاض حاد لأسعار البترول، إذ كان آخر تغيير لإستراتيجية (أوبك) في بداية عام 1998م، حيث تبنت منظمة أوبك إستراتيجية ما يعرف بآلية ضبط الأسعار Price band mechanism، وذلك لاستقرار السوق النفطية، والتي بمقتضاها تتم زيادة الإنتاج أو تخفيضه بين حد أدنى وصل إلى 22 دولاراً، وحد أعلى بلغ سعر البرميل فيه 28 دولاراً للبرميل من سلة «أوبك»، تلاها انخفاض حاد في الأسعار، ثم بدأت إيجابية تلك الآلية خلال السنوات اللاحقة لتطبيقها، بحيث ارتفع السعر خلال الفترة بين عامي 2000 و2003 إلى نحو 25 دولاراً للبرميل، ثم تدرج في الارتفاع إلى أن وصل لمستويات مرتفعة جداً، ولكن منظمة (أوبك) عجزت عن ضبط استقرار الأسعار، أو في موازنة السوق النفطية، وخاصة خلال الفترة ما بعد عام 2000م، فبالرغم من الارتفاع المستمر لأسعار النفط على فترة طويلة نسبياً، إلا أن الطلب تجاوز المعروض واستمر بمستويات عالية، وفي صعود مستمر وصل الى نحو 148 دولاراً للبرميل بمنتصف عام 2007م، ثم انهارت الأسعار إلى مستويات الثلاثين دولاراً بعد الازمة المالية لمدة وجيزة، ثم بدأت الأسعار في التعافي إلى مستويات 114 دولاراً للبرميل، ولكن انخفاض الأسعار دون مستوى المائة دولار في منتصف عام 2014م، لم يقابلها انخفاض في تقليص دول أوبك لإنتاجها، تلى ذلك قرار هذه المنظمة في نهاية العام بعدم تخفيض الإنتاج وتصريح أعضائها بأن تركيزهم يتمثل في حصولهم على حصصهم السوقية لمواجهة الدول المصدرة من خارج أوبك، كالمكسيك، وروسيا، مما أعطى إشارة واضحة بإعلان أوبك بدء تبنيها للإستراتيجية الجديدة، أي بتبنيها سياسة (الدفاع عن حصة أوبك السوقية) الأمر الذي أحدث انهياراً حاداً في الأسعار».
وأضاف أبانمي: «منذ منتصف العام الماضي، وأسعار النفط في انخفاض غير معهود، حيث واصلت الانخفاض بشكل كبير ومتسارع إلى ما دون الخمسين مما يعني «انهيارا» في الأسعار، نظرا لأن الفرق بين الانهيار للأسعار وبين الهبوط المتدرج للأسعار هو العنصر الزمني، وأن ما جرى من انخفاض لسعر النفط من سقف 114 دولاراً للبرميل إلى أدنى من 50 دولاراً، أي بمعدل تدنٍّ بلغ أكثر من 50 بالمئة خلال الأشهر الأخيرة، وقابلية أن يستمر الانخفاض بوتيرة سريعة لمعدل ربما يكون بمقدار يزيد على خمس مرات ليبلغ نحو 20 دولاراً للبرميل الواحد خلال الشهور القليلة القادمة كما أوضحت ذلك بعض التقارير الدولية في تقاريرها الصادرة بداية هذا العام».
وبين الدكتور أبانمي، أنه في هذا الصدد يتسائل البعض من المراقبين: لماذا لم تتخذ (أوبك) أي قرار بتخفيض الإنتاج؟ وبدلا من ذلك ركزت على الحصص السوقية وخسرت من مداخيلها اكثر مما لو أنها خفضت الإنتاج، وأبقت على مستويات الأسعار في حدود 100 دولار، وللإجابة على هذا السؤال نرى، فيما يبدو، أن قيام (أوبك) بتبنيها تلك السياسة المتمثلة في التركيز على مكتسبات حصصها السوقية، ولو أدى ذلك إلى انخفاض في الأسعار، ليس لأن (أوبك) لا تريد أسعارا عادلة، أو رغبة منها في انخفاض الأسعار، بل لأن (أوبك) واجهت ولا تزال تواجه معادلة صعبة، تكمن في أنها لو قامت بتخفيض الإنتاج فسيعوض النقص الدول المنتجة من خارج (أوبك) مما سيؤدي إلى فقدان دول الأوبك حصتها السوقية للآخرين، وهذا أمر لا جدال فيه، ولكن وفي ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية، وانخفاض الطلب على النفط، فإن (أوبك) تواجه احتمالا قويا في حال تخفيض إنتاجها ودخول منتجين آخرين لتعويض النقص من أن تواصل الأسعار تدهورها ولو في حال خفضت (أوبك) إنتاجها، وبالتالي فستواجه دول أوبك ما تخشاه وهو فقدان كل من الأسعار، وكذلك الحصة السوقية، فهل يا ترى دول أوبك عاجزة عن حل هذه المعادلة، وذلك بالتنسيق مع الدول المنتجة من خارج (أوبك)؟