د. محمد عبدالله العوين
الملك « المجدد» هذا اللقب يختصر كثيراً مما يمكن قوله عما أنجزه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - يحفظه الله - خلال مائة يوم فقط منذ توليه قيادة البلاد.
لن أعيد ما علمه الجميع وعاشوه من تغييرات جذرية مهمة في الداخل والخارج، ولكنني سأسعى إلى أن أقرأ شخصية «القائد» غير العادية التي أطلقت بجرأة شديدة وبثقة كبيرة رؤية التغيير الشاملة في أداء المملكة على المستويين الداخلي والخارجي؛ فقد قضى بأول تشكيل وزاري على الصورة النمطية العتيقة في المخيلة الشعبية عن أن « الوزير» لا يتزحزح عن وزارته إلا في حالتين؛ العجز بسبب الشيخوخة وعدم القدرة على مزاولة مهامه أو الموت الذي لا يمكن أن يرده أحد، فرأينا كيف غير الملك تلك النظرة البالية بتحويل الوزارات إلى منصات عمل بطاقات شابة يتدفق في شرايينها التوقد ويشتعل الطموح إلى تقديم الجديد، ثم لم يركن إلى الثقة في الاختيار وإنما أنشأ لجنتين للمتابعة وللمحاسبة لاستعراض المنجز بصفة دورية قصيرة؛ وهما المجلسان أو اللجنتان السياسية والأمنية، والاقتصادية والتنموية.
وخلال هذه المائة يوم تشكلت أبعاد جديدة للعمل الحكومي الذي كان قد دخل في جوانب منه إلى حالة من الاسترخاء وغياب المنجزات بوضوح في قطاعات؛ كالإسكان، والصحة، والتعليم، والعمل، والثقافة والإعلام، والزراعة، والنقل، وغيرها من الوزارات التي غابت عن الحضور وأصبحت تشكل عبئا على الدولة والمجتمع بسبب ما يضج به الشارع من تذمر؛ لعدم إحساس المواطنين بوصول خدمات تلك الجهات الحكومية إليهم بصورة مرضية.
وفي الأفق القريب - كمبشرات بالخير - حزمة إصلاحات كثيرة في القطاع الحكومي، وفي المستوى المعيشي، وفي خطوات التنمية والبناء، وهو ما تفيض به شخصية القائد الشامل الذي خبر الإدارة وألم بما يحتاجه المواطنون وأدرك بوعيه النادر ما يعيق الإنجاز وما يمكن أن يدفع به إلى الأمام من خلال المسؤوليات الكبيرة التي تولاها خلال ستة عقود في الدولة.
أما أبرز ما يمكن قراءته على المستوى الخارجي؛ فقد رأينا كيف لم يتأخر يوما واحد في صد وإفشال مخططات التدخلات الخارجية في المنطقة العربية وما يمثله من خطر جسيم على المملكة؛ فمع انشغاله الشديد بإعادة ترتيب البيت الداخلي من خلال تجديد جهاز الحكم والتفكير بما فيه صالح الوقت الحاضر وأمان المستقبل؛ بحيث تنتقل السلطة بأمان واطمئنان من جيل أبناء المؤسس إلى جيل الأحفاد حيث لم يتأخر عن تكوين جبهة تحالف عربية وإسلامية ودولية لمواجهة الخطر الفارسي المحدق الذي التف على شمال بلاد العرب ويريد أن يلتف أيضاً على جنوبها من خلال الهيمنة على اليمن واستغلال وكيله الحوثي في تنفيذ خطته العدوانية؛ كما استغل وكلاءه من الأحزاب الطائفية في العراق ولبنان وسوريا.
مائة يوم من عمر الملك المجدد في السلطة لم تغير المملكة فحسب، ولم تعد إلى الأداء الحكومي وهجه فقط؛ بل رسمت الصورة الحقيقية عن المملكة العربية السعودية الدولة القوية الرائدة القائدة للأمة العربية وللأمة الإسلامية، والدولة التي تملك التأثير على صياغة القرارات العالمية من خلال ما تملكه من مخزون روحي عظيم يهم أكثر من مليار ونصف، ومن مخزون اقتصادي هائل يتحكم في حركة الاقتصاد العالمي، ومن خلال ما تتكئ عليه من تاريخ عربي وإسلامي ومن تجربة سياسية وحدوية نادرة يجعلها ذلك كله الدولة التي تملك المقدرة الحقيقية لا بالتهويل والردح الإعلامي ولا بالشعارات الكاذبة؛ بل بالعمل الحقيقي على إعادة رسم شكل المنطقة وبناء توازناتها السياسية.
لقد فعل الملك «المجدد» سلمان الإمكانات الهائلة التي تملكها بلادنا ودفق في شرايينها الحياة وأعاد تدوير عجلة العمل والإنتاج، واستعاد إلى الوجدان العربي القلق ما كان افتقده من شعور عميق بالانتماء إلى الأمة العربية والإسلامية ومن معاني الاعتزاز والفخر بالقدرة على الحسم والعزم حين يكون لا مفر من أن يكون القرار الوحيد للبقاء هي الشجاعة والإقدام.
إنه الملك الشجاع المقدام الذي أعاد الكرامة والعزة والهيبة للأمة بعد ثلاثة عقود مرة من الخيبات والانكسارات.