د. محمد عبدالله الخازم
كل مسؤول يبذل الجهد حتى يأتي اليوم الذي يختم عمله الرسمي بالتقاعد أو الإعفاء. هذه طبيعة المسؤولية، والبعض يعاني فيها لأسباب منها ما يتعلق بالجهاز الذي يعمل فيه وبسببه يتعرض للنقد الذي قد يقسو ويتجاهل الحسنات والإيجابيات. لست أتحمس لحصر أعمال أو تزكية مسؤول سابق أو حاضر، لأسباب ليس المجال التوسع فيها. لكنني أتجاوز ذلك وأكتب هذه التلويحة لمسؤول قد ترك منصبه وأراه يستحق مني، ولو كلمة تقدير متواضعة.
في البدء، أشير إلى أن وزارة الصحة لم توصف بأنها المحرقة للمسؤول من فراغ، فمهامها معقدة ولا يستطيع أحد أن يخفي قصورها، حتى ولو كان هامشيًا. ابتسامة ممرض قد تشعرك بالرضا تجاه الوزارة ووزيرها وتأخير موعد قد يجلب كل أنواع السخط عليها. وزاد شقاء وزارة الصحة معاناتها لسنوات أو عدم توفيقها في قيادة قادرة على إحداث البصمة الجوهرية التي يتفق المجتمع على كمالها. لكن السؤال الذي ربما لا يعجب البعض طرحه من قبل كاتب، تجاوزت مقالاته الناقدة والمحللة لأوضاع الصحة ثلاثمائة مقال خلال العشر السنوات الأخيرة. السؤال هو؛ من كان عمود الوزارة الذي حافظ على توازنها بذهاب وزير وقدوم آخر؟ من هو القيادي البارز الذي كان الدينمو التنفيذي المكافح خلف كل وزير يأتي؟
معالي الدكتور منصور الحواسي، هو من أعنيه هنا، وقد بدأ تحمل المهام القيادية الصعبة خارج إطار عمله الأكلينيكي أو التعليمي مع معالي الدكتور أسامة الشبكشي، وحين قدم الدكتور حمد المانع أصبح الرجل التنفيذي الأول بالوزارة، واستمر القيادي التنفيذي مع بقية وزراء الصحة السابقين. قام بأدواره بشكل احترافي لا يتجاوز رؤساءه أو يتباهى بما ينجزه على حسابهم. يعلم الكثيرون ممن يلمون بتفاصيل العمل بوزارة الصحة بأنه يقف خلف الوزير، أيًا كان، ويؤثره كأجمل ما يقوم به المرؤوس لرئيسة.
ولعلني أتطرق لتجربتي القصيرة في العمل مع الدكتور الحواسي حين كان رئيسًا لمجلس إدارة مدينة الملك فهد الطبية وكنت مقررًا لذلك المجلس لفترة قصيرة في بدايات تأسيس المدينة الطبية. أتحمل مسؤولية القول بأن الدكتور الحواسي كان مهندس التأسيس الحقيقي الداعم والموجه للإدارة التنفيذية لمدينة الملك فهد الطبية، ولم أسمع منه يومًا إشارة تعالى على وزيره فكل عمل إيجابي ينسبه لمعالي الوزير، د.حمد المانع. عملت مع مديرين كثر ولم أجد أفضل احترافية من د. الحواسي في إدارة الاجتماعات واحترام الفريق الذي يعمل معه.
كان يتنقل بين مدن المملكة يحل مشكلة هنا وأخرى هناك، بصمت ودهاء يحسد عليه. عمل على تأسيس مدينة الملك فهد الطبية ومستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام كنموذجين متقدمين بوزارة الصحة ونقل مدينة الملك سعود لمراحل متقدمة من الأداء وعمل على مشروعات المستشفيات التخصصية بالمناطق وتحمل عبء العمل التنفيذي والصعوبات التي تصاحبه وكان أحد مهندسي إستراتيجية بلسم وغير ذلك من الإنجازات التي تحققت أو التي أعيقت بسبب تغير الوزراء ووجهات نظرهم تجاه تلك المشروعات.
حمل أوزار وصعوبات الوزارة بصمت متساميًا فوق كل الاساءات. كان صمام الأمان لتوازن الصحة بقدوم وزير وذهاب آخر. وكدليل على احترافيته الإدارية وقدرته على التأقلم للعمل في ظل توجهات القيادة التي يعمل معها، تأتي قدرته على العمل مع وزيرين، تجاوزت فترة وزارة كل منهما أكثر من أربع سنوات وكان بينهما بون شاسع من الاختلاف والتمايز، فضلاً عن عمله مع الوزراء الآخرين..
تحية تقدير للدكتور منصور الحواسي، النائب التنفيذي الذي كان يعتمد عليه وتحمل الكثير من أعباء وزارة الصحة بصبر وعزيمة وصمت، لا يجيده سواه.