محمد بن فهد العمران
لعقود من الزمن، كانت سياسة المملكة الداخلية والخاصة بتسعير الطاقة المستهلكة محلياً من قبل الأفراد و النشاطات التجارية و الصناعية تعتمد بشكل رئيسي على «الدعم الحكومي» وبفروقات كبيرة جداً بين سعر البيع محلياً و سعر البيع دولياً حتى أصبحت المملكة ثاني أرخص دولة بالعالم في أسعار بيع الطاقة محلياً بعد دولة فنزويلا، وبالتأكيد فإن المستفيد الأول من هذا الدعم الكبير حتى الآن هو المواطن والمقيم إلى جانب ملاك النشاطات التجارية والصناعية وهذا من حقهم.
لن أتحدث عن الانعكاسات السلبية للدعم على كفاءة الطاقة المستهلكة محلياً والتي لا تخفى على أحد، ولكني سأتحدث عن الانعكاسات السلبية لهذا الدعم على إنتاج كل أشكال الطاقة المتجددة في المملكة (من طاقة شمسية وطاقة رياح وغيره)، حيث ان انخفاض سعر بيع الطاقة محلياً أفشل أي محاولات لإنتاج أي شكل من أشكال الطاقة المتجددة بالرغم من انخفاض تكلفتها و تطور طرق إنتاجها و تحسن كفاءتها في السنوات الأخيرة حتى أصبحت اليوم الخيار الإستراتيجي الأهم للطاقة على المدى الطويل لجميع دول العالم بما في ذلك الدول المنتجة للنفط كدولة الإمارات الشقيقة.
المؤلم في الموضوع، أننا نجد اليوم شركات سعودية متميزة تدخل مجال إنتاج الطاقة المتجددة (و تحديداً الطاقة الشمسية) و تفوز بمشاريع عملاقة لإنتاج الطاقة في دول إقليمية مثل المغرب و الإمارات و مصر بينما لا تستطيع هذه الشركات السعودية فعل نفس الشيء في بلدها الأم، ليس بسبب الجدوى الفنية التي لم تعد عائقاً و لكن بسبب الجدوى الاقتصادية الناتجة عن الدعم الحكومي في المملكة لقطاعات النقل و الصناعة والتجارة!! وبالتالي عند النظر للمستقبل البعيد (لما بعد 40-50 عاما من الآن)، فمن المؤكد أن الدعم الحكومي اليوم سيتحول مستقبلاً إلى ضرر كبير و خطير جداً و حينها قد لا نجد طاقة بكميات كافية أو قد نجدها و لكن بتكلفة عالية جداً !!
لذلك، إذا كنا حريصين فعلاً على توفير الطاقة لأولادنا و أحفادنا و بأسعار معقولة، فيتوجب علينا من الآن التضحية بالدعم الحكومي ولو على قطاعات النقل و الصناعة و التجارة، مما يعني إعادة النظر تجاه سياسة المملكة الخاصة بتسعير الطاقة محلياً، ومن ثم توجيه هذا الدعم الحكومي تجاه مشاريع الطاقة المتجددة بالشكل الذي يخفض من تكلفتها لتكون مجدية اقتصادياً، وبالتالي تشجع على دخول المستثمرين، و هو ما تفعل اليوم غالبية الدول المتقدمة والإقليمية التي تدعم مشاريع الطاقة المتجددة من خلال الوفورات التي تجنيها من تكلفة شراء الطاقة الأحفورية و لهذا هي نجحت ونحن لم ننجح حتى الآن.