د. أحمد الفراج
ذات زمن، في عام 2000، كنت أعمل باحثاً وأستاذاً زائراً في جامعة ايسيكس في بريطانيا، وكنت أسكن في مدينة كولشستر، حيث الجامعة، في منزل قديم جداً، يشبه البيوت التي تشاهدها في قرى المملكة، والإنجليز قوم يعشقون التاريخ، والماضي، والألقاب، وفي مساء يوم ماطر، كنت أستمتع بمناظر الخضرة والماء وملحقاتهما في حديقة المنزل، وحينها خرجت عجوز إنجليزية إلى حديقة منزلها المجاور، فبدأتها بالتحية بلهجة إنجليزية، وبعد أن عرفت أني من المملكة، قالت لي: « أنت محظوظ، لأنك تملك بئر نفط، وأثاث بيتك، وربما تقصد خيمتي!!، من الذهب الخالص «، ولأنني أؤمن بالبيت الذي قاله شاعرنا القديم:» ألا لا يجهلن أحد علينا...فنجهل فوق الجاهلينا «، فقد قررت أن أقابل جهلها بجهل مماثل، أو بعبارة أدق، قررت « أطقطق « عليها ومعها.
قلت لها: إن معلوماتك صحيحة، ولكنها ناقصة، فأنا شخصيا أملك ثلاث آبار نفط، وأثاث منزلي ليس من الذهب فقط، بل إن بعضه من الألماس، وأملك طائرة خاصة، مصنوعة من الذهب، وعشر سيارات، مصنوعة خصيصا لي!!، فقالت لي:» كيف تستطيع أن تسكن في هذا المنزل المتواضع، وأنت معتاد على حياة الترف؟»، فقلت لها إنني حضرت إلى مدينكم لتسويق منتجات النفط من الآبار الخاصة بي، ولم أجد أفضل من هذا المنزل، كما أنني أحب، ومن باب التغيير، أن أجرب حياة الفقراء، فأعجبتها الفكرة، وبالطبع فقد توطدت علاقتي وأسرتي مع هذه الجارة، وجعلتها تكتشف بنفسها أنني كنت أعاملها على قدر عقلها الذي شكله الإعلام الغربي، والبريطاني تحديداً، بخصوص الآخر المختلف، خصوصا العرب والمسلمين، وذلك من خلال التقارير والأفلام وخلافهما.
هذه العجوز الإنجليزية تم حشو جمجمتها بأن الإنسان الخليجي هو عبارة عن كائن جاهل، يملك بئر نفط، وبجوار البئر هناك جمل وخيمة، ويحكمه أمراء يمارسون الترف، وينثرون المال بلا حساب، ولو تلفتت هذه العجوز، وغيرها من الإنجليز المغرر بهم، واستخدموا ولو جزءا من عقولهم، لأدركوا بأن العائلة المالكة في بريطانيا تعيش، على حسابهم، ترفا لا نظير له، فمن القصور الفخمة، المتناثرة في كل أنحاء بريطانيا العظمى، إلى النمط المعيشي الإرستقراطي الفاخر، إلى الأموال الطائلة، ولكن هذا لا يثير حفيظة معظم البريطانيين، بل يعتبر حقاً مكتسباً لأمراء الدماء الزرقاء، فما يثير حفيظتهم، ويدعوهم للتندر والنقد، هو ما تفعله الأسر المالكة خارج نطاق أوروبا!!، فالعرق الإنجلوساكسوني يحق له فعل أي شيء، حتى ولو استعبد البشر، واحتل البلدان، ونهب ثرواتها، ولعل لي عودة إلى هذا الموضوع مرة أخرى، لأحدثكم عما شاهدته في قصر الملك البريطاني جورج الثالث؟!!.