من المعلوم أنّ تعاليم الإسلام تدعو إلى الحد من المبالغة في الإنفاق، والاكتفاء بالضروريات، كما أنّ الاستغناء عن الفضول والاكتفاء بالضروريات مطلب رئيس، فللمرأة حق في التزين بكل شيء يزيد من جمالها وأنوثتها، ولكن بلا إفراط، ووفق الضوابط الشرعية المرعية.
والإسلام يوصي بالاعتدال في ارتداء الملابس ويكره التباهي والتكلف الزائد، ويستحب البساطة وينبذ المبالغة في النفقات، ولهذا كان التوسط لب الفضيلة، وهو خير الأمور.
الاقتصاد التوسط في الإنفاق من غير إسراف ولا تقتير، ففي الإسراف الفقر والذل، وفي التقتير الحسرة واللوم، ومن سلك سبيل الاعتدال في غناه وفقره فقد استعد لنوائب الدهر، وصار بمأمن من عوادي الزمان وطوارئ الحدثان كالمرض وفقد القدرة على الكسب، وسهل عليه إدراك الكثير من مطالب الحياة التي يعز نيلها بغير المال، وعاش عزيز النفس حميد السيرة جليل الأثر.
وللاقتصاد منزلته في حياة الفرد والأمة، وقد أبان ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((الاقتصاد نصف المعيشة)) لهذا كان رائد الحكومات المنظمة في أعمالها وسبيل العقلاء في كل زمان ومكان.
يقول الأستاذ محمد أحمد جاد المولى في كتابه (الخلق الكامل): الاقتصاد من أشهر العلوم العصرية ومن أهم ما يعنى به أهل الاجتماع والإدارة من بين علوم الحضارة والعمران في هذه الأزمان.
ومن الآيات الحاضة على الاعتدال في النفقة، قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (67) سورة الفرقان، وقوله عز ّوجلّ: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} (29) سورة الإسراء.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، منها قوله عليه السلام ((من اقتصد أغناه الله ومن بذَّر أفقره الله، وقال عليه السلام: ((ما عال من اقتصد والتدبير نصف المعيشة)).
قال بعض كتّاب الغرب: قد عاينت الأمور وعانيتها ثم بعد تفكير عميق في الحياة لم أجد سوى أمرين ربما جلبا السعادة: الاعتدال في مطالب النفس وحسن التصرف في الثروة.
ومن جملة ما علمنا إياه الشارع من الآداب الاقتصادية، ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: ((أقلل من الدَّين تعش حراً)) أي اجتهد في الاقتصاد والاستفضال والموازنة بين دخلك وخرجك، فلا تدع نفسك تحتاج إلى الدَّين فتعتاده فتتراكم عليك الديون، فيطاردك الدائنون ويعسروك فتفقد حريتك وتصبح عبداً لهم.
وفي فضل الاقتصاد يقول بعض العلماء: الناس فريقان: فريق اقتصد وفريق أسرف، فجميع السفن التجارية والسكك الحديدية والمعامل الصناعية وسائر المشروعات الاقتصادية التي تأسست عليها هذه المدنية، هي كلها من أعمال الفريق الذي اقتصد.
أما الفريق الذي أسرف ثم اضطر أن يستدين لسد حاجاته، فقد أصبح على تمادي الأيام رقيقاً للفريق الأول وهي سنّة الله في خلقه.
ولما كان الاقتصاد من أهم أسباب السعادة في الحياة وتوفيرها للإنسان، وجب على الآباء والمربين أن يأخذوا الأطفال منذ نشأتهم بالاقتصاد ويعودوهم هذه الخلة.
كما يجب عليهم أيضاً أن يفهموهم أنّ الاقتصاد يأمر به الدين وأن يحفظوا من الآيات الكريمة ما يحببه إليهم ويبغضهم في التبذير والتقتير، وذلك كقوله تعالى: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ...}[الإسراء: 26، 27]. وقوله عزّ وجل في الثناء على عباده المقتصدين: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (67) سورة الفرقان. ليتبيّن لهم الرشد من الغي ويعلموا منزلة الاقتصاد من الدين.
ومما يساعد على الاقتصاد أن يحصي الإنسان نفقاته اليومية ثم الشهرية والسنوية ليستبين مقدار ما ينفقه في اليوم والشهر والسنة، ويوازن بينه في السنوات المختلفة، ليعرف أناهج هو سبيل الاقتصاد أم مبتعد عنه؟! ويعلم أنّ ما يملكه ما احتكمت في تصريفه يداه لا ما سيصير إليه من طريق الحدس والتخمين.
فكثير من الناس يخطئون هذا الطريق في حساب دخلهم، فيتوسعون في النفقة ويسلكون سبيل البذخ والإسراف. وكما يكون الاقتصاد في ادخار المال يكون أيضاً في استعمال القوى الجسمية والعقلية باعتدال حتى يسلم المرء من العلل والأسقام.
ومحصل القول إنّ الاقتصاد أساس التدبير المنزلي ومن أول الواجبات الشخصية، وهو الملجأ الأمين الذي يأوي إليه أرباب الأُسر، فيجدون فيه الهدوء والراحة والسرور وحرية التمتع بالنعم والخيرات.
إنّ على ربة المنزل الواعية أن تكون أول من يحافظ على ميزانية الأسرة، وتحاول الاقتصاد في المصروفات والاعتدال في النفقات.
فقد جاءت مناهي شرعية وتحذيرات إلهية من الإسراف والتبذير، فقال سبحانه: {وَلاَ تُسْرِفُواْ}. وقال - عزّ وجل -: {لَمْ يُسْرِفُوا}. وقال سبحانه: {فَلاَ يُسْرِف} وقال تعالى: {وَلاَ تُبَذِّرْ}
ذلك لأنّ الله تعالى لا يحب المسرفين، كما أنّ المبذرين إخوان الشياطين.
إنّ المستهلك الرشيد هو ذلك المستهلك الذي يراعي مبدأ الرشد والعقلانية والاعتدال في أكله ومشربه وملبسه ومنزله وسيارته وأثاثه، واستخدامه للكهرباء والمياه، حماية لنفسه ولأسرته.
إنّ المستهلك الرشيد هو الذي يراعي قرارات الشراء والاستهلاك، بحيث تكون في الوقت المناسب وللحاجة المطلوبة ومن المكان المناسب وبالسعر المناسب وبالجودة المطلوبة وبالقدر اللازم والحجم المناسب والنوعية المطلوبة.
والمستهلك الذي يراعي ذلك يمكن أن يحقق الرشادة الاقتصادية والعقلانية الحكيمة من وجهة نظر الاقتصاد المعاصر.
بحيث لا يقع فريسة للتلاعب والاستغلال، ولا ينساق خلف الإسراف والتبذير، ولا تتعرض سلعه وبضائعه للكساد والتلف والفساد. ومن ثم، فلا بد من توفير القدوات الاستهلاكية، ومراعاة الاقتصاد في النفقات، والاعتدال في المصروفات، والترشيد في الاستخدام، والتقليل من مظاهر الإتلاف.