د. فوزية البكر
احتفلت خلال الأسبوع المنصرم العديد من الدول الأوروبية، وكذلك الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بالذكري السبعين لنهاية الحرب العالمية الثانية التي كانت قد بدأت بإطلاق أول قذيفة في بولندا، بعد أن اجتاحتها القوات النازية في 1 سبتمبر 1939، الأمر الذي دعا الدول الأخرى مثل إنجلترا وفرنسا إلى إعلان الحرب على ألمانيا النازية، وهنا انطلقت شرارة تلك الحرب الكونية المدمرة التي استمرت ست سنوات ويوماً واحداً، ولم تتوقف إلا بإعلان ألمانيا هزيمتها في 8 مايو 1945.
احتفالات دول أوروبا كفرنسا وبريطانيا توّجت بوضع النصب التذكارية على ضريح الجندي المجهول تخليداً لذكرى ملايين الجنود والبشر الذين دكّتهم تلك الحرب المهلكة حتى بلغ ما فقدته البشرية آنذاك أكثر من 85 مليون شخص، أي ما نسبته 2.8 % من سكان الكرة الأرضية، وهو ما أدى إلى اختلال البنى السكانية في البلدان المشاركة في الحرب، ونقص في المواليد مع تدمير أكثر من 70% من البنى التحتية لكافة الدول المشاركة في الحرب.
غيَّرت الحرب العالمية الثانية أيضاً الخارطة السياسية والعسكرية لدول العالم، لكن وبانتهائها تماسكت الدول المهزومة والمنتصرة معاً للملمة أطرافها، وحصر الفواجع المريرة التي سببتها هذه الحرب البشعة، والبدء في نضال البشرية الحقيقي، ليس ضد بعضها البعض، بل نضال التنمية البشرية والعلمية والحضارية لشعوبها وإعادة بناء بناها التحتية التي دمرتها الحرب.
شهدت نهاية الحرب العالمية الثانية أيضاً ولادة أهم المؤسسات العالمية اليوم، وهي ما يُعرف بمنظمة الأمم المتحدة والتي أُقيمت بعد أن شهد العالم أهوال حربين عالميتين متتاليتين أكلتا الأخضر واليابس، ودمرتا المدن والمحاصيل الزراعية وقتلتا الرجال وشردتا الأطفال، وذلك لتعزيز التعاون الدولي ومنع الصراعات في المستقبل، لكن بالطبع فالقوي هو من تحدث حتى عند إقامة هذا الكيان العالمي، حيث حظيت الدول المنتصرة في الحرب وهي: فرنسا وبريطانيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بكونهم أعضاء دائمين في الأمم المتحدة والذين لهم حق التصويت ضد أي قرارات تتبناها الأمم المتحدة لا تتوافق مع مصالحهم، تماماً كما تفعل الولايات المتحدة كل مرة حين يصوِّت مجلس الأمن بقرارات ضد إسرائيل، وتتمكَّن أمريكا من إسقاط الإدانة بفيتو منها حماية لطفلها المدلل.
في الوقت ذاته عنيت الدول التي عانت أهوال تلك الحروب الدامية بتوثيق أهوال وفظائع تلك الحرب عبر متاحفها ومدارسها وجامعاتها، حتى تعي الأجيال الجديدة أهوال تلك الحروب المدمرة فلا تقدم عليها مرة أخرى.
الفكرة من الدرس التاريخي الذي نوهت به كل دول العالم هذا الأسبوع من خلال تذكُّر أحداث الحرب العالمية الثانية، ليس استعراض الأحداث أو حفظ التواريخ كما نفعل للأسف في حصص تاريخنا البليدة، بل هو طرح الأسئلة الصعبة عما جرى، ولماذا جرى، ومن هو المسئول، ولماذا سمحنا له أن يكون مسئولاً؟
أو كما ذكر أ.د حسن شحاتة في ورقته بعنوان: «معاً: نحن قادرون على التغيير» والتي قدمها للمؤتمر القومي السنوي الخامس عشر للتربية في القاهرة عام 2011، وذكر فيها:
«من خلال دراسة التاريخ يجب أن يكون المعلم قادراً على تحقيق عملية تقصٍ تاريخية للأحداث وفهم عميق للمفاهيم وربطها بالتفسير التاريخي، وذلك لطرح الأسئلة الكبرى في أذهان الطلاب حول: من أنا، وكيف أرى نفسي والآخرين؟.. إلى من أنتمي، وعمن أنا مسئول؟.. لماذا كانت الحروب، وما العوامل التي ساهمت في خلق خيارات الحروب الكبرى عبر التاريخ الإنساني، وكيف لي أن أتجنَّبها أو أعمل على التأثير من حولي لتجنُّبها».
هذه هي الدروس المستقاة من مراجعة التاريخ والتبصر فيه: فهم النتائج التي يمكن أن تؤدي إليها بعض الخيارات الفردية أو الجماعية غير المدروسة، ومدى البشاعة والقتل والتدمير التي يُمكن أن تحدث بسببها، ولعل ما تقوم به داعش هو أقوى صورة لذلك، فلو تأمَّل الإسلاميون فيما لحق بالإسلام من أذى نتيجة بشاعتهم وذبحهم وحرقهم الأبرياء والعزل لتراجعوا عما يقومون به من فظائع يندى لها الجبين، خصوصاً أن كافة رؤساء أوروبا، وفي احتفالاتهم هذا العام بالذكرى السبعين للحرب العالمية الثانية، لم يتوانوا عن تذكير شعوبهم بخطر التطرف الإسلامي الذي يهدد السلام العالمي!
والأمر نفسه يمكن أن يُقال في اليمن اليوم، فعلي عبد الله صالح والذي حكم اليمن أكثر من ثلاثين عاماً، كان يجب أن لا يُمكَّن من أي سلطة وشلالات الفساد البيِّن تحيط به حتى سقطت خزنة هذا البلد (الجميل) خاوية على عروشها لصالحه وابنه وعائلته، بحيث تضخمت ثرواته الشخصية إلى 30 مليار دولار في بلد يقع 70% من سكانه تحت خط الفقر!
علينا أن نتعلم طرح الأسئلة الصعبة حتى لا نفقد بوصلة التاريخ، وحتى نحمي كوكبنا من جنون الصراع على السلطة والمصالح الشخصية، لكن كيف لنا أن نفعل ذلك.. وأبناؤنا في المدارس السعودية لا يدرسون الحروب العالمية أو تواريخ باقي الأمم، ومن ثم ومع هذا التجهيل المتعمد: كيف لنا أن ندرك الدروس التاريخية المشتركة بيننا، وبين باقي أمم كوكب الأرض؟.