فيصل خالد الخديدي
عندما يعيش الفنان للفن وبالفن فإنه يتطور ويطور أدواته وثقافته ليعطي للفن و يساهم في خلق بيئة فنية مناسبة لنمو فنه وفن من حوله، ولعل الفنانة هدى العمر من هذا الصنف من الفنانين فهي على مدار أكثر من 23 عاما في المجال الفني والتشكيلي عملت بشكل دؤوب على تطوير أدواتها الفنية وثقافتها في شتى المجالات وتنويع مشاركاتها المحلية والدولية، والتي فاقت مائة مشاركة محلية و الأربعين مشاركة عالمية في كثير من البيناليات والمهرجانات. فحديثها بعدة لغات جعلها تبني علاقات فنية مع العديد من الفنانين والفنانات والشراكات في مشاريع تشكيلية في عدد من دول العالم ولكنها أيضاً لم تغفل دورها المجتمعي تجاه التشكيل المحلي من خلال ترجمة ونشر العديد من المقالات التشكيلية والفنية ونشرها بزاويتها الأسبوعية؛ فالحديث عن الفن وللفن وبفن هو ما اختطته لنفسها في كتابتها التشكيلية وترجماتها.
أما المنجز الفني لدى التشكيلية هدى العمر فهو نما وارتقى بمواضيع اجتماعية وقضايا إنسانية كانت المعاناة حاضرة فيها والمرأة بفرحها وجمالها وقضاياها أيضا شغلت الجزء الأكبر من اهتمامها في أعمالها، كما أظهرت في عدد من أعمالها جماليات قاع البحر، وعلى الرغم من أن معظم أعمال الفنانة كان يعبر عن القضايا الإنسانية إلا أن نظرتها المتفائلة والمشرقة للواقع ألقت بظلالها على أعمالها فخرجت بألوان زاهية ومتنوعة ومتباينة وباتساع في دائرة ألوان بالتيتها المستخدمة في أعمالها فظهرت أعمال غنية ومشبعة لونياً، واشتغال الفنانة على اللون وتمكنها من معايشة أكبر قدر ممكن من اللون في العمل الواحد لم يفقدها السيطرة على العناصر، والتي غالباً ما تركز في محور العمل ويكون أطراف العمل مشبعة بالمساحات اللونية التي غالباً ما تستخدم الأسلوب التأثري في نشرها على سطح لوحتها، فبنائية العمل عند هدى تكاملية بين العناصر والمساحات اللونية في ثنائية متناسقة ومتسقة حتى لو كان هناك شيء من خلل في النسب أو التشريح فإن تكاملية العمل بين العناصر واللون يجعل العمل كتلة جمالية واحدة متسقة ومشوقة بصرياً بزهو لونها وجاذبيته.
وهي التكاملية التي تعيشها الفنانة بين الحرف في مقالاتها واللون في أعمالها فالقضايا الإنسانية والجمالية والفنية هي السائدة في مخرجاتها؛ سواء الكتابية أو اللونية فالفنان الصادق والمخلص لفنه يظهر مخرجه معبراً عن شخصيته ولو اختلف المخرج وتنوع المنجز إلا أن الفكر القائد والمحرك لهذا المنجز هو الذي يخرجها بهذه التكاملية، وهو أيضاً لا يستعجل ولا يصطنع النمو لعمله والتنقل بين مراحله، ولكنه أيضاً يعمل على تطوير أعماله وتجربته بشكل طبيعي ونمو متزن وهو مايتحقق من خلال المزيد من الاطلاع والتجريب والممارسة والثقافة بشتى أشكالها وهي أدوات تمتلكها الفنانة هدى العمر وتؤهلها لأن يظهر منجزها القادم بشكل أكثر نمواً جامعاً بين ما حققته من منجز وهوية وما تتطلع له.