هاني سالم مسهور
بالرغم من أن اليمن منفرداً هو جمهوري النظام سياسياً إلا أنه وعلى مدار نصف قرن ظل في أحضان الجزيرة العربية مؤثراً ومتأثراً، وبقي اليمن يعيش متناغماً مع امتداده الجغرافي بالرغم من أن اليمن خاض مع نفسه صراعات سياسية، أدت في محطات منها إلى مصادمات عسكرية، وظلت المملكة العربية السعودية هي الأكثر قرباً منه، وعملت دائماً على تخفيف وطأة المواجهات واحتوائها بالقدر الذي يكفل لليمنيين السير في حياتهم السياسية بذات ما اعتادوا عليه من استدعاء لموروثهم السياسي المخنوق طبعاً وتطبعاً.
في الأزمة الأخيرة كان للسعودية دور متقدم بداية من تقديم المبادرة الخليجية، ووصولاً إلى إطلاق «عاصفة الحزم»، ومن بعدها «إعادة الأمل». الدور السعودي كان حاسماً على قاعدة واضحة، اعتبرت أن «عدن خط أحمر»، وهذا ما أبلغه وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان لنجل الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح بشكل مباشر وقاطع؛ فالسعودية كانت تدرك بشكل واضح أن سقوط عدن يعني تجاوزاً وتعدياً خارجياً على الأمن القومي العربي.
وضوح الرؤية السعودية لا بد أنه نابع من إدراك عميق لحالة اليمن المتردية والغارقة في صراعات المتلازمات اليمنية القابلة للانفجار كطبيعة تنسجم والموروث اليمني؛ لذلك فإن اليمن الذي طلب من الملك سلمان بن عبدالعزيز التدخل سياسياً وعسكرياً لإنقاذه من مآلات لا يمكن التنبؤ بها كان حاسماً وحازماً في مواقفه على الأصعدة الثلاثة، سياسياً وعسكرياً وإنسانياً، وتمت الموافقة على نقل الحوار إلى الرياض، والتدخل العسكري لحماية عدن، وإطلاق عملية إعادة الأمل خلال أسابيع قليلة يؤكد أن الملك سلمان يعمل بكل أدواته المختلفة لاستعادة اليمن من دوامته التي سقط فيها نتيجة اختلالات السياسيين اليمنيين.
الرياض استضافت الرئيس الجنوبي الأسبق علي سالم البيض، شأنه شأن المئات الذين وصلوا ميممين وجوههم ناحية العاصمة السعودية في موسم تواصل سياسي يمني استثنائي. في الرياض تتجاور كل الأيديولوجيات اليمنية المتصارعة. حالة استثنائية في التاريخ اليمني السياسي. فهل اليمنيون على أعتاب اتفاق يقارب اتفاق الطائف اللبناني؟ سؤال يمكن أن يكون مطروحاً، ويمكن أن يتوارى خلف تعنت أطراف لم تعِ المرحلة ومضامينها.
السعودية ومن خلال القرارات الصادرة في الجامعة العربية ومجلس الأمن الدولي وضعت الرياض كحاضن للحل السياسي، وهذا لا يعني استبعاد الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام بل ما زالت الدعوة مفتوحة للجميع؛ فالرياض التي وصلت إليها توكل كرمان ومن دار في فلكها تواجدوا بالرغم من كل ميراثهم السياسي تجاه الرياض، ويبقى الأهم هو أن على السعوديين دون غيرهم أن يفرضوا على اليمنيين الحل الذي يكفل إخراجهم من أزمتهم التاريخية العميقة.
عدن هي الحل السياسي الاستراتيجي والواقعي لأزمات يمنية خانقة. ولعل الواقع الجديد الذي فرضته عدن على مدار الأشهر الأخيرة يؤكد أن ما قبل «عاصفة الحزم» بالنسبة لمدينة عدن ومن حولها القضية الجنوبية يختلف عن كل التعاطي السابق مع قضيتها التي سقطت كل محاولات الالتفاف عليها، بداية من الحقوق المدنية ووصولاً إلى اتهامها بالنزعة الانفصالية. هذا التهاوي الذي فرضته المقاومة الجنوبية الشعبية ضد العدوان الحوثي وأنصار الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح أدى لواقع لا بد أن يكون معه الدخول نحو حل سياسي، يكفل للقضية الجنوبية حلاً يتواكب مع التضحيات الكبيرة التي قدمتها عدن.
مهم أن يتم التعاطي السياسي وفقاً لإرادة الملك سلمان الذي وافق على نقل الحوار السياسي إلى الرياض، وليس فرض مخرجات الحوار الوطني الذي تحول إلى جزء أصيل من المعضلة السياسية المعقدة في اليمن، بدلاً من أن يكون حلاً، والفرصة التي أتاحها الملك سلمان للفرقاء اليمنيين شمالاً وجنوباً يجب أن يتم التعامل معها بواقعية ومسؤولية سياسية كاملة؛ فلا يمكن وتحت مزايدات الأطراف اليمنية المتنازعة أن تذهب هذه الفرصة المواتية لتحصل منها الأحزاب على تحقيق انتصارات سياسية، وهي التي تسببت أصلاً في تأزيم الواقع السياسي.
الرياض التي تستضيف المئات من المسؤولين اليمنيين بمختلف توجهاتهم وأهدافهم كذلك لها رؤيتها السياسية التي لا بد أن تعيها كل أطراف النزاع اليمني جنوباً وشمالاً، فأمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن المملكة، وأمن اليمن تعرض لانتهاك صارخ بسبب اليمنيين وأحزابهم ومراهنتهم على أطراف خارجية، سواء كانت إقليمية أو ذات توجهات أيديولوجية. هذا الأمن الذي انتهك تدخل المملكة الآن على أعلى أصعدتها وتسخر كل إمكانياتها من أجل استعادته، وهذا تحديداً ما يغيب عن اليمنيين الذين يصرون على انتهاز الفرص المواتية لتحقيق مكاسب تحسب لأحزابهم وشخصياتهم دونما اعتبار حقيقي لأمن الجزيرة العربية.
القضية الجنوبية لها ممثلوها في الرياض، وبدعوة من الملك سلمان، والجنوب وقضيته مدخل للحل السياسي المتكامل الذي تم الالتفاف عليه، ولم يتم تنفيذ أي من النقاط العشرين التي التزم بها مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء، بالرغم من إمكانية التنفيذ آنذاك. ليس مطلوباً من جميع الأطراف إلا أن يكونوا عند الفرصة المتاحة من الملك سلمان الذي يقود إعادة الأمل لكل اليمن.