المشهد السياسي العراقي يمر بأحلك ظروفه المصيرية فمع تزايد ضحايا الحرب الثلاثية ضد مرتزقة داعش والضحية المراق دمها البريء أبناء الأغلبية الصامتة من الشعب العراقي الجريح القوى العسكرية المشاركة في مسرح العمليات الحربية حسب تقسيمها الجغرافي، ففي الشمال قوات البيشمركة الكردية والغرب الملتهب قوات الجيش ورجال العشائر العربية، وفي الشرق والجنوب مليشيات الحشد الشعبي الشيعية، وكل هذه القوى المسلحة اتفقت على إخراج داعش من الأرض العراقية واختلفت جميعها أيضاً على تصور مستقبل العراق ما بعد داعش.
الأكراد استغلوا الفيدرالية لبناء إقليمهم بميزانية عراقية نسبتهم منها 17% وتهيئة المناخ المناسب لإعلان دولتهم الأمل «كردستان» وجاءت التصريحات الأخيرة للرئيس مسعود برزاني أثناء زيارته لواشنطن (أن موعد إعلان الدولة الكردية بات قريباً جداً) وموافقة الإدارة الأمريكية لتزويد البشمركه بالأسلحة الثقيلة يرسم مقدمة الدستور الكردي الجديد.
الإقليم الغربي الممتد من نينوى حتى ناحية النخيب الحدودية جغرافياً مع محافظة كربلاء الذي يمثل أكثر من ثلث الأرض العراقية ويشمل مدن الموصل وصلاح الدين والرمادي ويمتد على طول الحدود التركية والسورية والأردنية والسعودية ويشكل البوابة الإستراتيجية مع جواره العربي. والمسرح الواسع للصراع المسلح ضد عصابات داعش الإرهابية مما أحال مدنه الحديثة إلى مدن أشباح مدمرة هجرها أهلها مجبرين إلى عناء وذل التهجير القسري في مساجد وشوارع كردستان.وبعد الموافقة على قانون الحرس الوطني القوة العسكرية الجديدة التي تضم تشكيلاتها أبناء العشائر والحراك الوطني لحماية مناطقهم الغربية ذات الأكثرية السنية والتي عانت من تهميش وتسلط الحكومات المركزية في بغداد المتألفة من الاتحاد الوطني الشيعي الممثل للأحزاب والمليشيات الطائفية والتي أذاقت أهل السنة صنوف الظلم والاعتداء الجسدي والنفسي والتصفية على الهوية في العقد الماضي وللتخلص من هذه السيطرة الطائفية يتجهون أهل السنة لإعلان إقليمهم السني ثم التحول (حسب الظروف المستقبلية) إلى كيان جديد يمثل دولة سنيستان!!
المناداة المستمرة بإعلان إقليم البصرة وتصميم علمه الجديد يعطي مؤشراً فعلياً لتشكيل الأقاليم الجديدة أحادياً أو مشاركة عدد من المحافظات في إقليم وتأتي كنواة للدولة الجديدة «شيعيستان» الذي يمثل أغنى منطقة إنتاجية للغاز والبترول العراقي وكثافة سكانية تقدر بعشرين مليون نسمة.
هناك ثلاث ثغرات صعبة تلازم التقسيم الثلاثي المنتظر في العراق أولها كركوك المتنازع حولها بين الأكراد والعرب السنة والشيعة ومطالبتهم الدائمة بعراقيتها ورفضهم للقرار الكردي بضمها لكردستان مستغلة المد الداعشي في شمال العراق وإصرارهم على أن قرار الضم قطعي لا رجعة فيه استناداً للمادة مائة وأربعين من الدستور والثغرة العميقة والأهم بغداد العاصمة التي ستشكل القنبلة الموقوتة للصراع السني الشيعي حول مستقبلها الإداري وحزامها الجغرافي من أهل السنة فقط ومكمن النزاع المستقبلي الثالث «ناحية النخيب» التي تتبع الأنبار إدارياً وتحاول محافظة كربلاء ضمها ضمن حدودها الإدارية بوضع اليد على ترابها الغني باحتياطيات غزيرة من البترول والغاز التي تقدر بنصف احتياطي العراق ولها أهمية جيوسياسية خطرة لامتداد جناحيها الحدودية بصورة ملاصقة ومباشرة مع المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة لعربية السعودية وتحاول مليشيات الحشد الشعبي الشيعي الاستيلاء عليها. لضمها لمحافظة كربلاء ولتصبح رأس حربة طائفية لتهديد جوارها العربي وبتحريض إيراني فارسي.
كل العرب في العراق غير المنتمين لكتل وأحزاب طائفية من السنة والشيعة متمسكين بالوحدة الوطنية والعيش تحت مظلة العراق الموحد والاقتناع بمنح الأخوة الأكراد حق تقرير المصير وإعلان دولتهم الكردية معارضتهم للنفوذ الإيراني المرحب بتمدده من قبل عملائه المليشيات والأحزاب الطائفية التي صنعتها إيران إبان الحرب العراقية الإيرانية وسلمتها السلطة أثر الغزو الأنكلو-أمريكي وبتسهيلات إيرانية ويتوقع نزاع مسلح بينها على السلطة طرفاه قوات الحشد الشعبي من جهة والأحزاب الشيعية الطائفية ومطالبتهم باستقلالية القرار السياسي الشيعي عن القيادات السياسية الأخرى والانقلاب على القيادات الحالية المكونة من رموزها الشيعية مقتدى الصدر وعمار الحكيم والسيطرة على المؤسسات القيادية في المنطقة الخضراء وتشكيل قيادة جديدة مكونة من المالكي وقيس الخزعلي وهادي العامري رموز الحشد الشعبي الشيعي وتشكيل كتلة سياسية جديدة طائفية تسرق السلطة في المنطقة الخضراء تمثل طائفة الشيعة العرب ركيزتها المكونة من المليشيات الطائفية عصائب بأهل الحق وفيلق بدر وحزب الله ضمن دائرة النفوذ الإيراني تحت إمرة وإشراف الجنرال قاسم سليماني.
هذه المشاريع التقسيمية الثلاثة ما زالت تنتظر اللحظة المناسبة للتنفيذ وخشية كل العراقيين ومعهم أشقاؤهم العرب الحريصون على وحدة التراب العراقي من توافق مشروع بايدن الأمريكي مع الأطماع الإيرانية بإعلان الأمل الدولة الفاطمية العراقية ومن ثم بلعها مثل شقيقتها الأحواز العربية. كل العراقيين الصابرين والمغلوب على أمرهم يتطلعون إلى هلال المشروع العربي لإنقاذ الشعب العراقي بعد أن حرقت إيران هويته العربية.
ملتقى الحوار العربي التركي - هيئة الصحفيين السعوديين