سمر المقرن
هرب الروائي الروسي ليو تولستوي، من زوجته وحبيبته ورفيقة دربه الكونتيسة صوفيا أندريفانا وهو في عمر الثانية والثمانين، بعد أن شعر بأنه لم يعد في وسعه أن يحتمل مزيدًا من الاختناق الذي كانت تحيطه به من فرط عشقها له، تفاصيل هذه الحكاية وردت في كتاب: أدباء من العالم.. غرائب مأساوية - سيَر وحكايات. لمؤلفه الدكتور نجم عبدالكريم، الذي أورد عشرات القصص والحكايات في حالة مع جنون الأدب والأدباء.
توقفت بين كل تلك القصص النادرة لعدد من الأدباء مع ليو تولستوي وصوفيا، وكيف وصل الأمر بهذا العاشق أن يهرب عن عشيقته ورفيقة دربه وهو في هذا العمر لأنه لم يعد قادرًا على الاستمرار مع زوجة تُعبر عن عشقها له بخنق حريته وقهر إرادته وإرغامه على التنازل عن أفكار يؤمن بها، شعر ليو تولستوي أنه لو استمر على هذا النمط من الحياة أنه طريق سيؤدي به إلى الموت، لذا قرر أن يوقف حياته المأساوية ويختار الهرب في رحلة طويلة وشاقة أدت به إلى الموت، لكنه فارق الحياة بعيدًا عن صوفيا بأيام قليلة من رحلته، مات وهو يشعر بالحرية بعيدًا عن أجواء التجسس والتدخل غير المبرر في عقلية وأفكار كاتب وروائي كان يملك قلمًا يؤثر في كل روسيا، بل في العالم كلّه، فكيف بهذا العقل الحر أن يجبره عشقه لامرأته أن يستمر أسيرًا لتدخلاتها.
هذه الحكاية جعلتني أتأمل كثيرًا في أحوال العشاق، فالإنسان قد يجد نصفه الآخر الذي يحبه ويستمتع بالحياة إلى نهايتها بقربه، إلا أن الحفاظ على هذا العشق واستمراره داخل حدود الحفاظ على خصوصية كل طرف في هذه العلاقة هو الأهم، شرط أن تكون الثقة هي العنوان الأبرز بين الطرفين، وأن يكونا على قدر هذه الثقة واحترامها.
إن الحب هو علاقة ذات منظار بعيد لحياة طويلة مليئة بكل أنواع الجماليات، وفيها أيضًا عثرات وصعاب يتجاوزها قلب العاشق متى ما كانت لا تمس إنسانيته وشعوره بذاته، وقد لا يشعر -بعضهم- بتجاوز حدود الحب والانتقال إلى مرحلة التملك الخانقة في فهم خاطئ لطبيعة وشكل هذه العلاقة العذبة والانتقال من حالة الرقة إلى علاقة تشوبها الفظاظة والغلظة، دون أدنى إحساس بأن هذا الانتقال هو ما يدمر جماليات الحب وانتقاله إلى مرحلة اللا عودة.
حب التملك هو شعور إنساني يحتاج صاحبه إلى التنبه له والسيطرة عليه، مثله مثل أي أحاسيس إنسانية سلبية، إن تركناها دون لجمها فستستمر وتتصاعد وتكبر فتفسد حياتنا وحياة أحبتنا.
بعضهم للأسف يعتقد أن حب التملك هو صفة نسائية، بينما في الواقع هو صفة إنسانية، قد يمر بها الرجل مثلما تمر بها المرأة، إلا أن الثقافة الذكورية وصمت المرأة بكل الصفات الإنسانية السلبية وبرأت منها الرجل، في محاولة إلى جعله يسمو بالصفات الإيجابية وحده!