لا شك أنَّ صفات القوة والصرامة تغلب على شخصية الملك عبدالعزيز - رحمه الله، فقد عرف بأنه قوي الإرادة، ثابت الجأش، صارم في الحق.
غير أنَّ هذا القائد الفذ كان يحمل بين دواخل نفسه قلبًا رحيمًا عطوفًا. كيف لا؟!! وقدوته وقدوتنا جميعًا محمَّد صلى الله عليه وسلم هو المثال الأعلى في الرحمة والشفقة.
قال الرَّاغب الأصفهاني: «الإشْفَاق عناية مختلطة بخوف، وعلَّل ذلك بقوله: لأنَّ المشْفِق يحبُّ المشْفَق عليه»(1).
والجميع يدرك ما كان يوليه الملك عبدالعزيز - رحمه الله - برعيته، وأنَّه كان يحبهم، ويشفق عليهم، ويخاف عليهم، ويرحمهم كما يرحم الوالد أبناءه.
كان - رحمه الله - يومًا متوجهًا من قصر الديرة إلى قصر المربع، وكان ذلك في شدة الحر في رمضان، فرأى - رحمه الله - عمَّالاً يعملون في البناء، فتوقف عندهم، وسأل رئيسهم: كم ساعة تعملون في اليوم؟ فأجابه على الفور: ست ساعات. فقال - رحمه الله: (يالله العجب)!!(2)، إنني أعمل أربع ساعات في النهار، وأشعر بالعطش، وأنتم تعملون ست ساعات في هذا السموم، من الآن وصاعدًا لا تزيد عدد ساعات عملكم - في رمضان - أكثر من أربع ساعات، ولكم أجركم كاملاً(3).
(1) مفردات القرآن، الراغب الأصفهاني ص: 458-459.
(2) جملة تقال عند شدة التعجب من أمر ما.
(3) رواية حفيده الأمير عبدالله الفيصل - رحمه الله -، انظر: الوجيز في سيرة عبدالعزيز، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، الطبعة الرابعة، 1984م، ص: 327.
الله أكبر.. ما أكبر هذا الموقف منه - رحمه الله - تجاه هؤلاء العمال البسيطين، وكم هو عظيم خوفه عليهم، فأحس - رحمه الله - بما يحسون به، وهذا - لعمري - سرٌ عظيم من أسرارِ نجاحه في توطيد ملكه.
- عبدالمحسن بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل الشيخ