د. جاسر الحربش
لا يمر أسبوع دون أن تعلن فيه السلطات الأمنية السعودية عن كشف عصابة مخدرات تحاول أن تدخل أو أدخلت بالفعل ملايين الأقراص المخدرة إلى الداخل السعودي.
قبل أيام تمكنت السلطات الإماراتية بالتعاون مع زميلتها الكويتية من القبض في مدينة العين على عصابة مكونة من مواطن خليجي واحد وثلاثة مواطنين عرب من دولة مجاورة. عثر بحوزة الرجال الأربعة على كمية من الأقراص المخدرة تملأ عشرين حقيبة سفر، وبالتحديد أربعة ملايين ونصف مليون قرص مخدر قيمتها السوقية ربع مليار درهم.
المخدرات كانت مهربة من إحدى الدول المجاورة، ولن يصعب التكهن بهويتها، بقصد التسويق في المجتمعات الخليجية، وأهمها تسويقياً السعودية.
بالإضافة إلى الأموال الطائلة التي كانت العصابة سوف تحصل عليها لصالح المصدر، علينا أن نحسب عدد الشبان والشابات المحتمل تحويلهم بهذه الكمية إلى مدمنين.
إذا قلنا إن استهلاك ما يقارب خمسة إلى عشرة أقراص يكفي للوصول إلى الإدمان، نستنتج أن تلك الضبطية لوحدها كافية لتحويل ما يقارب المليون مواطن خليجي شاب أو شابة إلى مدمنين يستطيع المروج تحويلهم إلى قنابل اجتماعية وأخلاقية وإرهابية.
المخدرات هي وبمراحل متقدمة أخطر سلاح يبدأ عدوك باستعماله للفتك بك.
المثال على ذلك بسيط، بافتراض وجود عدو لا وازع ولا رادع له وقد يكون ساكناً في الحي نفسه. لا يحتاج مثل هذا العدو المحتمل إلى إطلاق الرصاص عليك ولا لتسميمك أو دهسك في الطريق، لأنه يستطيع التسلل إلى داخل منزلك بطريقة أشد فتكاً وأصعب على الاكتشاف قبل فوات الأوان، وذلك عن طريق الوصول إلى أبنائك وبناتك بطرق غير مباشرة وتحويلهم إلى مدمنين.
المروج يدرس المجتمع ويختار ضحاياه بحسب الأهمية التي يحددها سيده في الدولة المصنعة والمصدرة للمخدرات.
هناك وسائل عدة للوصول إلى الأجيال الصغيرة والشابة في المجتمع الخليجي، قد درست وطبقت من قبل على المجتمعات الغربية منذ عشرات السنين.
هناك المدرسة حيث يكفي تلميذ واحد في كل فصل لتخريب تلاميذ عدة، وهناك السائق الأجنبي الذي يغريه المروج بالمال، وهناك البائع في البقالة المجاورة، وهناك سهر الشباب إلى ساعات متأخرة من الليل وليس معهم سوى الشياطين ونجوم تجمعات المفحطين والدرباوية ومنحرفي الجنس.
المروج، بتفويض من سيده في الدولة المعادية لوطنك ومجتمعك، حين يمسك برقبة ابنك أو ابنتك القاصرين باستعمال بضعة أقراص يكون قد تسلل إلى بيتك من حيث لا تدري وأشعل النيران فيه.
هذه الطرق التي تكفي لعدو شخصي متربص لكي يفتك بك أصبحت من أولويات حروب الدول المتعادية.
قبل أن يحاول العدو الخارجي غزوك عسكرياً سوف يكون قد خطط قبل ذلك بزمن طويل لامتصاص دمائك الشابة من عروقك الاجتماعية، وبماذا؟.. بالمخدرات.
المخدرات ليست معادن يسهل اكتشافها بالآلة وليست كبيرة الحجم يصعب إخفاؤها وليست صعبة التركيب ومكلفة بحيث تحتاج إلى مختبرات ومصانع، لأنها لا تحتاج إلى البحث عن تحويلات بنكية وغرف تجارية وزبائن لهم سجلات تجارية معروفة.
كل ما يحتاجه العدو لتسميم المجتمعات بالمخدرات مجرد عجائن كيميائية سهلة التركيب وفني كيمياء مدمن وغرفة صغيرة في عمارة سكنية لا تلفت الانتباه، ولكن قبل ذلك وبعده يحتاج إلى تنظيم أو حزب لا يتورع عن شيء ومجتمع غافل ومفرط، إما عن حسن نية أو عن سذاجة في تقدير المعايير الأخلاقية عند الآخرين.