«في هذه الساعة أختتم عملي في الحكومة بعد 42 عاما فالحمد لله، أرجو أن أكون قد أديت الأمانة على الوجه المطلوب، وأدعو الله أن يعفو عن تقصيري».. تلقيت تلك الكلمات في رسالة يوم الأحد 30/6/1436هـ من الصديق العزيز الدكتور محمد بن حسن بن محمد الصائغ، ليعلمني خلالها أنه ودع مرحلة من حياته ودخل مرحلة أخرى، سائلا العفو من الله عن أي تقصير.
هكذا هم أصحاب المسيرة المشرفة من العطاء مهما بلغوا من الإنجازات يرون أنهم لم يقدموا شيئا، ولكن الحقيقة تقول إن سجل الدكتور عبدالله الصائغ سجل مشرف طوال مسيرته التربوية والتعليمية الحافلة بالكثير من المنجزات والعطاءات المتميزة، والتي استمرت ما يقارب نصف قرن من الزمن، خدم فيها دينه ووطنه وقيادته وأمته. وعلى الرغم من أنني لم أتشرف بالعمل مع الدكتور محمد أو في مجال عمله، ولكني أعرفه منذ فترة طويلة، ومتابع ومطلع على إنجازاته ولي من الأقارب من كانوا من طلبته، ثم أصبحوا معلمين، وكذلك أستشهد بآراء عدد من زملائه الذين عملوا معه لفترات طويلة.
ولد الدكتور محمد الصائغ في مدينة أبها البهية، وتلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي في أبها، حيث حصل على شهادة الثانوية العامة من المدرسة الثانوية الأولى بأبها وكان من العشرة الأوائل على مستوى المملكة، بعد ذلك حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب والتربية، من كلية التربية، جامعة الملك سعود عام تخصص تاريخ/جغرافيا، كما وحصل على شهادة إتمام الدورة الخامسة المكثفة في اللغة الإنجليزية بالرياض، ثم دبلوم الدراسة والتدريب التربوي (جامعة إنديانا، بلومنجتون) الولايات المتحدة الأمريكية، بعد ذلك حصل على شهادة الماجستير في الإدارة التعليمية، من جامعـة إنديانا ثم توج تعليمه بشهادة الدكتوراه في الإدارة التعليمية، من جامعة إنديانا، وتقلد خلال فترة عمله عدداً من الوظائف حتى وصل إلى وكيل وزارة التربية والتعليم لكليات المعلمين بالمرتبـة الخامسـة عشرة، ثم وكيل وزارة التعليم العالي لكليات المعلمين، ثم مستشار معالي وزير التعليم العالي والمشرف على الشؤون الإسلامية في الخارج ـ حتى تقاعد.
وحاز الدكتور الصائغ على عدد من الأوسمة والجوائز التقديرية، من أهمها، وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، وجائزة رواد الكشـافة من الأمانـة العامة لجمعية الكشافة العربيـة السعودية، وكذلك العديد من خطابات الشكر والدروع التكريمية.
كما كان له العديد من الأبحاث والإنتاج العلمي وشارك ومثّل المملكة في العديد من المناسبات والمؤتمرات والندوات وغيرها من المناشط التعليمية والتربوية، داخل المملكة وخارجها، كما شارك في عضوية العديد من المجالس واللجان المتخصصة، كما كان له نشاطات في الكثير من المجالات والجمعيات المتخصصة، ومناقشة العديد من رسائل الماجستير وتحكيم البحوث.
ومن أهم أعمال الدكتور الصائغ، تأسيس برامج الإرشاد الطلابي والذي عُمم على مستوى الوطن في جميع مدارس وزارة المعارف، وكان للبرنامج آثاره النافعة والإيجابية المستمرة إلى يومنا هذا وما بعده، كما كان له الإدارة المثمرة لأكبر كلية إعداد معلمين لأكثر من دورة، ثم الإدارة والقيادة الفاعلة والموفقة لإعداد المعلمين وبعدها خدمة الشؤون الإسلامية كمستشار لمعالي وزير التعليم العالي، فيما كان مخلصاً في تقديم النصائح المهنية والاستشارات التربوية والتعليمية والإدارية وغيرها.
إذا كان التقاعد مرحلة سيعيشها الإنسان، في يوم من الأيام أو بالعيش مع من سبقه بها؛ لتمضي سنة الحياة في الأرض، فهو ليس حكماً على الإنسان بالجمود، ولا منعاً له من البذل والعطاء في جوانب أخرى.
لقد ترجل أبو حسن بعد سنوات طويلة حافلة من العطاء والإنجاز والإخلاص والوفاء، قدم فيها خلاصة جهده في خدمة دينه ووطنه وقيادته الرشيدة، وكانت تعاملاته راقية وأخلاقه عالية مع الحزم عندما يتطلب الأمر ذلك، فحقَّ على الوطن وعلينا أن نفتخر به وبأمثاله.
ربما كانت نظرة المجتمع لهذه الفئة الغالية، من المتقاعدين نظرة خاطئة، بأنهم أحيلوا إلى التقاعد ولن يستطيعوا العطاء بعد الآن وتقبُّل كثير من المتقاعدين لهذه النظرة، كان له أثره السلبي على بعض أفراد هذه الفئة التي بذلت وأعطت الكثير في أوج شبابها وعطائها فبلوغ هذه السن نعمةٌ عظيمة من الله ينبغي شكرها واستثمارها في مجالات الحياة المختلفة، إلا أن التقاعد عند الدكتور الصائغ يُعدّ مرحلة جديدة من العطاء وخدمة المجتمع والوطن؛ فلكل مرحلة من العمر جمالها.. فالتقاعد عن العمل الرسمي هو في حقيقته انتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى من العمل، وأنا على يقين أن أبا حسن سيحسن استثمار هذه المرحلة في تقديم خبراته على النحو الأمثل، فهو صاحب همة عالية إذا بلغ هدفاً، بحث عن هدف آخر مثله أو أعلى منه ليصل إليه، ليبقى عضواً فاعلاً ومنتجاً في مسيرة التربية والتعليم والتنمية المستدامة التي تشهدها المملكة في شتى المجالات. وسيجد الكثير من الفرص أمامه، فهو كفاءة وطنية كبيرة، والمجالات أمامه واسعة وعريضة، لعل أبرزها التأليف، الدراسات والاستشارات، المشاركة في الندوات والمؤتمرات.. وغيرها.
ختاماً بارك الله للدكتور محمد بن حسن الصائغ في علمه وعمله وحياته وأسرته، ومتعه بالصحة والعافية وطول العمر، وجزاه الله خير الجزاء على كل ما قدم من أعمال وإنجازات، خدمت وستخدم الأجيال.