د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
سنبقى مع «الفُرقةِ» المؤلمةِ التي جعلتنا مُزَقًا، وحاولت «مقالةُ» الخميس الفائتِ (النظريةُ الفارقة) قراءتَها تأصيلَها لا فكريًّا بما قد يُهيئ السبيلَ لتفتيتِ مكوناتها «المركبةِ» إلى عناصرَ «بسيطةٍ» تستوعبُ الاختلافَ وتنأى عن الخلافِ عبر بمقدارٍ يأذنُ بمنطقةٍ وسطى بين التحاربِ والتقارب.
- لن تتسنَّن يا صاحبي كما لن أتشيعَ، ولن تُقنعَني باعتدالك مثلما لن أفعل،فلنعدْ إلى منطقٍ يعي أن التطرفَ مفهومٌ هُلاميٌّ لا وجود له في دنيا الحقيقة؛ فمن يصمُنا بالتكفيريين -كما هو ذائعٌ في أدبياتِ الفريقِ المقابل- سابقٌ في الباب ذاتِه حين كفَّر معمموه بعضَ ساداتِنا وأمهاتِنا الذين مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راضٍ؛ فاللهم ارضَ عنهم وارض عنا معهم.
- قدرُ جيلِنا -كهولَ المرحلة- أَن عشنا التقلباتِ الفكريةَ الحادةَ، ورأينا الأضدادَ الثقافيةَ تلتئمُ في مجلسٍ واحدٍ يسوده الاحتدامُ والاحترام معًا وترهقه الحِدةُ مثلما تزينُه الجِدَّة ، ثم ينفضُّ سامرُهم عن ابتساماتٍ صادقةٍ ولقاءاتٍ متصلةٍ مع أن ما يفصلُهم في الرؤى شبيهٌ بما يفصلُنا إن لم يزدْ، وقد يمسُّ ثوابتَ إيمانيةً يُرجئون حسمَها ولا يطيقون الافتراقَ بسببِها، وقد نجحوا إذ التأم التضادُّ لاحقًا حين أدركوا ألا تشددَ في جانبٍ دون سواه؛ فالرجعيُّ والتقدميُّ والتقليديُّ والحداثويُّ والصحويُّ والتنويريُّ تصانيفُ جائرةٌ أثبت الزمنُ تماهيَها حتى لا فوارقَ بين من اعتنق ومن انعتق ومن سادَ ومن باد ومن نضا الأقنعة ومن تغلف بها.
- لدينا كُثُرٌ يدَّعون العلميةَ والمنهجيةَ ويعتمرون الهدوءَ والموضوعيةَ حين تكون أيديهم العليا في الموقفِ السياسيِّ وأصواتُهم الأقوى في الجدليةِ المعرفيةِ لكنهم يسقطون في الاختبار الحقيقيِّ حين تتبدلُ الأمورُ ولو جزئيًّا ؛ فيثورون لمقالٍ ويضطربون لهزيمةٍ وتتكشفُ أوراقُهم التي راهنوا على بياضِها فإذا هي صفراءُ بكلِّ سوء وربما سوداء.
- الفُرقةُ لا تخلُقها المواقفُ الآيديولوجيةُ وحدها؛ فالإقليميون والقبليون والعنصريون يمارسون الإقصاءَ المؤذي دون مشروعٍ أو مشروعيةٍ، وخبرتهم في إضعاف الصفِّ مقلقةٌ، وربما نفَذوا من بواباتٍ مُشرعةٍ كالتوظيفِ مراعَىً في ذلك الانتماءُ المذهبيُّ والجذورُ العائليةُ وأشجارُ النسبِ وآثار الحسب، ويذكر صاحبُكم - من تجربته الإدارية في معهد الإدارة وقد كان عضوًا في لجنة مقابلات المعيدين ورئيسًا للجنة الوظائف الإدارية والفنية أعوامًا- أننا - تنفيذًا لسياسة المعهد الصارمة - لم نفرق يومًا بين ذوي المذاهب؛ فلا فرق بين شيعي وسنيٍّ، كما لا إيثارَ لأهلِ منطقةٍ أو انتماءٍ أو أرومةٍ، وهو ما جعل» المعهداريين -في ذلك الزمن- مشهودًا لهم بالإنجاز والدقةِ والمسؤوليةِ، وترقَّى نفر كثيرٌ منهم ليقودوا مراكبَ التنميةِ الحكومية والأهلية.
- آن أن تُفعَّل «النظريةُ» التي ترى نسبيةَ الأحكام لا إطلاقها وسقوطَ التصنيف لا تكريسه، كما آن أن يصبحَ وضعَ الوطنُ -من النفود إلى الأُخدود- «كلُّ الوطن» مبتدأَ المصالحِ ومنتهاها ولنقتنعَ أننا بيتٌ واحدٌ تتعدد مشاربُ أفرادِه ورغائبُهم دون أن يتبرأَ بعضٌ من بعضٍ، وأن في زمن الشدةِ يفترضُ تتوحدَ ُ الأصواتُِ ؛ فالغدُ لن يتسامحَ مع الناشزين..
- الوَحدةُ إرادة.