د. حمزة السالم
نشرت جريدة الاقتصادية الأحد الماضي عن الدكتور خالد السويلم، بأنّ وزارة المالية أضاعت فرصة تاريخية خلال السنوات العشر الماضية والتي كان بالإمكان أن يصل حجم الاحتياطيات والاستثمارات الخارجية السعودية إلى أكثر من 1.8 تريليون دولار، مقارنة بالحجم الحالي الذي يُقدر بنحو 750 ملياراً - ونقل السويلم عن دراسته التي نسب فضلها الأكبر لجهوده، أنها تثبت ذلك «بتطبيقات علمية مقننة في السياسة المالية كما جاء في الدراسة وفي البيان الرسمي الصادر عن جامعة هارفارد».
وكل ما جاء في تصريحات السويلم في الاقتصادية حول الأرقام وكل ما نسبه لهارفرد أو لمعهد كيندي أو لزملائه أو عنهم من معلومات، مُحرّف أو مبني على افتراضات خيالية ومستحيلة قد أخفاها السويلم عن الشارع السعودي، وباختيار دول متناقضة لتناسب نتيجة الموديل الموضوعة مسبقاً، واجتناب الدول المتشابهة التي تثبت فشل الافتراضات والموديل المعتمد - وذلك فضلاً عن الأخطاء والفجوات والمناورات والتخفية والتلبيس والتي تترك وراءها تساؤلات تثير الشك وتفتح أبواباً أخرى مغلقة.
- وإن كنت لم أقرأ التقارير الثلاثة بتمعن، إلاّ أن مسحها ومقابلة بعضها ببعض في غضون ساعة، يُعريها ويكشف ما يكفي لنقضها وسقوط مصداقيتها وزيادة - والتقارير هي: الأول انفرد به السويلم لوحده بعنوان « إطار سياسة مالية فعّالة للسعودية» - ومن هذا التقرير جاءت قصة تضييعنا لترليون دولار في السنوات العشر الماضية، ومنه اقتباسات رسومات الاقتصادية - والتقرير الثاني وصفي، عبارة عن جمع معلومات لصناديق سيادية، اختيرت فيه الدول بمزاجية تناسب هدف التقارير - والتقرير الثالث هو الختامي والذي تذرع به السويلم كوسيلة استعراضية حاول بها تضليل الشارع السعودي بإيهامه لنسبة الترليون المُضيع للدراسات العلمية المثبتة الخارجة من هارفرد ومعهد كيندي - ولضيق مقام المقال، فسأختصر بعض النقاط التي تكفي الواحدة منها أن تسقط مصداقية السويلم ومشروعه -.
فأولاً: النسبة إلى هارفرد ومعهد كيندي:
1 - هارفرد ليس لها أي بيان رسمي صدر عنها كما نقلته الاقتصادية عن السويلم، ولا تتبنى نتائج التقارير بل لم تدر أصلاً بتقارير السويلم.
2 - معهد كيندي ليس مسئولاً عن التقارير الصادرة من هذه المراكز الواقعة في معهد كيندي، (كحد وصفها القانوني هناك)، ولا يتبناها، بل ولا يُوصي بها كمواد بحث علمي - ويقتصر في تصنيف مخرجاتها كأدوات قد تنفع للبحث كما يصنفها ضمن مصادر ممكنة للمعلومات الخام، مثلها مثل الجرائد والمجلات -.
3 - علاقة معهد كيندي بهذه المراكز علاقة صورية منفعية، لا تعطي المراكز أي مصداقية علمية - فهذه المراكز والبرامج عبارة عن مبادرات يحاول أصحابها من السياسيين ورجال الأعمال، الالتصاق بالمراكز العلمية العالمية للوجاهة أو لتمرير أفكار لهم، مقابل تقديم أموال ضخمة للمعهد.
4 - اُستخدم تقرير جريدة الاقتصادية للزيادة في التضليل، فوضِع على الصفحة الإلكترونية لموقع التقارير تحت المقدمة باللغة الإنجليزية - وقُدِم على أنه الترجمة العربية للمقدمة الإنجليزية، رغم تباينهما تباين الشمس من الأرض - وهذا هو الرابط
http://belfercenter.ksg.harvard.edu/publication/25300/institutions_and_policies_for_managing_sovereign_wealth.html
- ثانياً: دعوى مشاركة مجموعة من كبار الخبراء والمختصين في جامعة هارفارد في هذه التقارير - وهذه دعوى باطلة - فبالرغم من دعوى السويلم في مقدمة التقرير بأنه هو أفضل من أدار استثمارات ساما لعشرين عاماً، وأن أداءه غلب أداء مدراء جميع الصناديق الاستثمارية في العالم، إلا أن واقع هذه التقارير من الهزالة بمكان يُثبت عكس ادعاءاته هذه - والإثنان الآخران كانا يعملان كوسطاء، أي كجماعة محللي الأسهم عندنا أحدهما، طالب دكتوراه في جامعة ما في جنوب أفريقيا والأخرى لا تحمل الدكتوراه - والمشارك الرابع دكتورة في السياسة من أكسفورد، ولكنها لم تُدرس فيها، فهي مجرد باحثة ببرنامج ما بعد الدكتوراه - وعموماً، فإن غالب المنتسبين في مثل هذه المراكز في هارفرد وغيرها، لقطاء الجامعات والشركات شفعت لهم شفاعات من قدم الأموال الداعمة لهذه المراكز .
- ثالثاً: 1.8 ترليون دولار رقم ملفق تلفيق مبتدئين واختصار ذلك في الآتي:
1 - هذا الرقم 1.8 ترليون دولار من تقرير السويلم الأول المنفرد به، وورد في هامش التقرير الختامي وهو مبني على موديل تمريني خيالي يتخيل أن الدولة ادخرت 20 % من دخلها السنوي منذ السبعينات أي خُمس ريع النفط لأربعين عاماً، وأنه لم تُؤخذ من العوائد شيء والتي اُفترض أنها مثالية - (صفحة 60 من التقرير الختامي، وهامش رقم (28)-.
2 - أن هذا التضليل في فرضية ادخار 20% من ريع البترول منذ السبعينات، متعمد في تقرير السويلم - فلا الرسومات تبينه ولا الكلمات - فالذي صُوره وكأنه رقم صدر من 2004-.
3 - فهناك دم فاسد لا يخفى في المشروع كله منذ ابتدائه في التقرير الأول - ففي هامش 28 في التقرير الختامي أُدخل اسم «رتفيد» - طالب الدكتوراه - كمشارك للسويلم في تقريره الملفق للـ1.8 ورتفيد ليس بمشارك في الأول - وعموما يظهر وكأن التقريرين الثاني والثالث فكرة مُلحقة جاءت لاستدراك الأول، لتحقيق زوبعة هارفردية مُلينة لتسليك الفكرة وإدخالها في عقل الشارع السعودي -.
رابعاً: بجانب الدندنة على سوء السياسة المالية السعودية، فهناك دندنة تحوم على غصة تولي مؤسسة النقد إدارة الاستثمارات الأجنبية - ففي التقرير الختامي في الباب الثالث، اُستخدمت تنظيرات قديمة للاحتياطيات المركزية للعملة، كأساس نقدهم للسياسية المالية السعودية - واستخدامهم لهذه التنظيرات البالية من العصر الحجري النقدي، في مواضيع الفوائض البترولية اليوم، دليل واضح على أنهم مجموعة مبتدئة، سطحية العلم بسيطة المنطق - فتنظيرات الاحتياط المستخدمة لا تدرس اليوم الا من باب تاريخي ولإعطاء بُعد فكري لفهم عمل الاحتياط للعملة - فكل ما طرحوه من تنظيرات وتحليلات في احتياطيات البنوك المركزية وعلاقتها بفوائض النفط، هو خلط لا علاقة له بهدفهم الرامي إلى وضع نسبة ادخار سنوية -.
خامساً: مقارنة السعودية بنيجيريا وأذريبجان وغانا؟؟
1 - فهم يقرون بأنه لا جامع بينهم ولهذا اختاروا هذا التشكيل المتناقض بين البلاد الأربعة - فالهدف الأساسي هو تمرين افتراضي نتج عنه على حد افتراض صحة حساباتهم أنه من الأفضل وضع نسبة محددة للادخار سنوياً - هذا كل شيء - والنسب المحددة موضوع جدلي قديم في كل مجالات السياسة النقدية والمالية، لا اعتقد أن أحد ذا عمق اقتصادي يؤمن به -.
2 - وكذلك لم أر في مسحي السريع أثراً لمقارنة عوائد الصناديق - وهذا لا يمكن الجدال فيه ولو أن تُدخل ضمن أحد المعطيات - فهذا دليل على أنهم يتخيرون ويضعون ما يناسب نتيجتهم التي يريدون -.
وسادساً: فأنا من عادتي الرد باستخدام معلومات في الطرح والاحتجاج بنفس حجته - وقد شد انتباهي جدول جاء في تقرير السويلم الأول (رقم2 ص10) أكفاني المؤنة :
1 - فالجدول يوضح بأن احتياطي المواطن الكويتي من البترول يبلغ أربعة أضعاف احتياطي المواطن السعودي، والأماراتي بضعفي السعودي - والكويت قد استشهد التقرير بادخارها نسبة 10 % أو نحوها، وهي التي يمكنها ادخار 75 % ويبقى لها أن تنفق مثل الدخل السعودي كاملاً دون أي احتياط - والأمارات 50 % كذلك -.
2 - فكيف يُحتج بالكويت على السعودية دون اختبار الكويت، كما اختبر السعودية - ولم يختبر الدول التي أشاد بأنها تتبع النسبة المحددة للادخار من الفوائض؟! ولا واحدة منهم؟ رغم أنه حشرنا هو وزملاؤه مع غانا ونيجيريا؟
3 - الجواب عندي: أنه لا يبعد أن الكاتب الحقيقي لهذه التقارير قد جرب دول الخليج، أو من يتبع نسبة ادخار محددة، فأفسدت عليه مشروعه كله بإخراج نتائج تثبت عدم صلاحية موديله وفساد منطقية فكره - فلذا تم التلاعب بالدول حتى وجدوا ما يتفق مع نتيجة نسبة الادخار، ثم حاولوا ترقيع تناقض الجمع بين السعودية وغانا ونيجريا وأذريبجان، بأنه تناقض بيان وتبيين لا التفاف بتخير مقصود للوصول لنتيجة قررت سلفا-
وختاماً : وأعتقد أن كل ما دار ويدور حول الصناديق السيادية من جدل عقيم هو دم فاسد - وتطور الادعاءات لترقى لمستوى لفها بشعار هارفردي وعلمي مؤصل، يوحي بأن سمن الاحتياطات وتفرد الراعي وقلة حيلته قد أغرى الذئاب فنقلها من مرحلة العواء لمرحلة المناوشة -.