د.زيد محمد الرماني
تقوم المدرسة ببيع المنهج، وهو حزمة من البضائع أنجزت بنفس أسلوب المؤسسة المدرسية، وتحتوي على نفس البنية أو المواصفات كغيرها من البضائع التجارية. ويبدأ إنتاج المنهج في معظم المدارس ببحث علمي مزعوم يقوم مهندسو التعليم على أساسه بتوقع الطلب المستقبلي والمعدات التي يحتاجها صف التجميع، يضاف إلى ذلك العوائق التي توجبها الميزانية الإنتاجية ويقوم المدرس الذي يلعب دور الموزع بتسليم الإنتاج المنجز إلى الطالب المستهلك الذي درست استجاباته بعناية وصنفت لتقدم مادة بحث تساعد على إعداد النموذج التالي، الذي قد يكون الطالب غير المصنف، الطالب المصمم، الفريق الذي سيعلم أو الذي سيساعد بصرياً أو المركز حول الموضوع، ويبدو من ذلك أن عملية إنتاج المنهج تشبه أية عملية إنتاجية حديثة أخرى، إذ هي حزمة من المعاني المخططة أو صفقة من القيم أو بضاعة يجعلها التوازن الطلبي قابلة للتسويق عند أعداد كبيرة من الناس تبرر تكلفة إنتاجها. ويعلم الطلاب المستهلكون -على هذا النحو- طريقة تكييف رغباتهم لتتوافق مع القيم المسوقة يقصد بذلك القيم التي تبيعها المدارس لمستهلكي العملية التربوية، ويكيفون بذلك الإحساس بالذنب حين لا يتصرفون حسب التوقعات التي حددتها بحوث المنهج، وذلك بالطبع حين يخفقون في الحصول على الدرجات أو الشهادات التي ستصنفهم في الشريحة الوظيفية التي هيئوا لتوقعها.
وحتى حين تكون الزيادة في معدلات الإنفاق الفردي على التعليم مصحوبة بتدن في العائد التعليمي، تزداد قيمة التعليم في نظر التلميذ أو التلميذة. كما تزداد قيمته في سوق العمالة. ومهما تكن التكلفة، تعمل المدارس على دفع الطالب إلى مستوى الاستهلاك المنهجي المنافس، كما تدفعه باطراد إلى المستويات المتنامية إلى ما لا نهاية. وعلى هذا المنوال، يعمل الإنفاق على المستويات العليا من التعليم في صورة استادات لكرة القدم.
لذا، تتميز المدارس بنهمها المتنامي إلى المدخل التدريسي، ولكن حتى لو أدى هذا الجوع إلى امتصاص ثابت، فلن يستطيع الجوع أن يسلم إلى المتعة التي يحصل عليها الفرد حين يعرف شيئاً يريده، وذلك لأن كل مادة تأتي على شكل معطى تصحبه طريقة التدريس التي تناسبه، ويستمر الاستهلاك معطى في إثر معطى حتى يصبح المعطى النهائي في آخر الأمر نافذاً عند مستهلكه، ويتأسس تلقائياً الابتزاز عن طريق الطلب المدرسي استناداً على مثل هذا الطلب.
ويستمر مصلحو التعليم في كل مرة بإيعاد الجيل الجديد بالأحدث، ولكن تبقى الحقيقة وهي أن الجمهور يمدرس كي يقبل ما يقدمونه له.
لقد أصبحت عملية هندسة المستهلكين هي أهم قطاعات الاقتصاد من حيث درجة النمو، ومع تكلفة الإنتاج في الدول الغنية يزداد التركيز على مجال رأس المال والعمالة في المشروع الواسع الذي يستهدف إعداد الإنسان للتوافق مع مجتمع الاستهلاك المنظم.
ومن ثم يعتبر التغريب بمفهومه التقليدي نتيجة مباشرة للعمل بأجر، وهو الذي حرم الإنسان من فرصته في الإبداع وإعادة الإبداع. وتقوم المدرسة الآن بعملية تغريب متقدمة على هذه المرحلة، إذ هي تعزل الشباب في الوقت الذي يتظاهرون فيه بأنهم منتجون ومستهلكون في نفس الوقت لمعرفتهم الخاصة التي أصبح الجميع ينظرون إليها على أنها بضاعة تعرض في السوق من خلال المدرسة. وهكذا تجعل المدرسة التغريب وسيلة إعداد للحياة، وتجرد بذلك التعليم من واقعيته، كما تجرد العمل من إبداعيته، ذلك أنها تساعد على التغريب المؤسسي عن الحياة من خلال تدريسها الحاجة إلى التمدرس. وبمجرد أن يعي الناس هذا الدرس يفقدون دافعهم إلى النمو المستقل ولا يجدون بالتالي في الانتماء شيئاً جذاباً، بل يبعدون أنفسهم عن المفاجآت المدهشة التي تحملها الحياة حتى لا تحدد بواسطة تعريف مؤسسي مسبق. ولما كانت المدرسة توظف بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، قسماً كبيراً من الناس، فهي تحرص على أن تحتفظ بهم إما مدى الحياة، وإما أن تجعلهم يتلاءمون مع مؤسسة أخرى.