إبراهيم عبدالله العمار
تكلمنا في موضوعٍ سابق عن ظاهرة نفسية منتشرة تسمى الفجوة التعاطفية، حيث لا يتشاعر الشخص مع غيره بسبب وجوده في حالة ذهنية مختلفة، فمثلاً الطفل يتنمّر ويؤذي زميله في المدرسة؛ لأنه لا يضع نفسه مكانه، والمكتئب الذي يرى المستقبل مظلماً لأنه منغمر في حالته ولا يتخيل شعور السعادة، وهكذا. الفجوة التعاطفية تحصل حينما يكون الشخص مغموراً في حالته النفسية والجسدية فلا يرى نقيضها أو حتى يتخيله.
في ذاك الموضوع رأينا نماذج محدودة، غير أن الفجوة التعاطفية أوسع من هذا، وتشمل أنحاء أخرى من حياتنا، ولنأخذ التدخين مثالاً. قبل هذا لنعرف معاني المصطلحات: «الحالة الساخنة» هي الحالة التعاطفية، وتعني الحالة النفسية أو العقلية التي يشعر فيها الشخص بشعور معين، أما «الحالة الباردة» فهي غير التعاطفية، أي عندما يزول الشعور ويكون الشخص في حالة محايدة عادية. الذي يفوز بجائزة مالية ضخمة ولا تسعه الدنيا من الفرحة هو في حالة ساخنة، فإذا خفّت الفرحة بعد بعض الوقت وصار في حالة أكثر واقعية وحيادية صار في حالة باردة. العاشق الذي يرى مستقبله مع فتاته سعيداً تماماً هو في حالة ساخنة، فإذا تزوجها ورآها واقعاً بسلبياتها وإيجابياتها صار في حالة باردة، وهكذا.
الآن لِنَعد لمثال التدخين: إن المدخن في الحالة الباردة (حيث لا يشعر بالرغبة في التدخين) يقلل من قيمة شعوره في الحالة الساخنة والتي يحترق فيها رغبة في سيجارة. ما هو تأثير هذا؟ إن له تأثيراً لو أراد المدخّن أن يقلع، فلو كان قد انتهى من تدخين سيجارته فسيكون في حالة باردة، لأنه نال جرعته التبغية ولم يعد يتحرق للتدخين، فربما يقول ببرود: سأقلع عن التدخين ابتداء من غد. في هذه الحالة لا يأخُذ في حسبانه مدى توقه للتدخين بعد أن تعُود حالة الإدمان ورغبة النيكوتين. يجب أن يعي الفجوة التعاطفية ويأخذ في الحسبان حالته النفسية والذهنية المصاحبة للانقطاع عن التدخين ليصنع خطة أكثر واقعية.
للأكل نفس المبدأ: الشخص الذي يريد تخفيف وزنه دائماً يقول لنفسه أنه سيخفف الأكل من يوم غد، لكن إذا قالها وبطنه مملوءة بأطايب الطعام فإن الالتزام بالنظام الغذائي الجديد سيكون أكثر مشقة لأنه لم يأخذ في اعتباره مدى تحرّقه للعودة لأكله المعتاد. عندما نوى أن يخفف الأكل ويأكل الطعام الصحي كانت عروقه تتبادل تيارات النشويات والسكر التي ملأته نشوة، وهذه الحالة الباردة، فلم يتوقع حالته النفسية عندما ترجع الحالة الساخنة. إذا أراد هذا الشخص أن تنجح خطته للنحافة فعليه أن يأخذ في الحسبان نفسيّته عندما تعود الحالة الساخنة ويتشوق للأكل، فهذا سيجعل خطته أقوى وأكثر سهولة في التطبيق.
هذه نماذج من الفجوة التعاطفية وليست محصورة، وتستطيع تطبيقها على الكثير من الأشياء لتكون خططك أقوى وأمثل.