فوزية الجار الله
التزمت الصمت لساعات منذ أن تناهى إلى سمعي خبر تفجير مسجد «القديح»، وكأنما غاب صوتي وكلماتي مابين الدخان والدم في ذلك التفجير الغادر الآثم، رغم أني لم أكن هناك بينهم، رحم الله الشهداء وربط على قلوب ذويهم وأحبابهم، ألجمني الخبر لأسباب عديدة، هذا الحدث اخترق أسوار القيم والمبادئ وعدداً من الحُرُمات، الزمان والمكان، الشكل والمعنى: يوم جمعة، في بيت من بيوت الله والمستهدفون مسلمون يشهدون بأن لا إله إلا الله الواحد الأحد وإن اختلفوا عنا مذهباً ثم إنهم في حالة انهماك في عبادة، ما بين ركوع وسجود ثم أن يحدث ذلك في بلاد الحرمين التي تحوي أطهر بقعة على وجه الأرض «الكعبة المشرفة».
حاصرتني الأسئلة وألجمني الخبر وأرهقني التفكير في دوافع الجريمة، أسبابها وخلفياتها، وما الذي سيحدث لاحقاً..؟! ثمة حقيقة مؤكدة وهي أن القطيف جزء لا يتجزأ من المملكة العربية السعودية تربطنا بأهلها روابط الدين والأخوة والعروبة والوطن الواحد، لا نتمنى لهم إلا ما نتمناه لأنفسنا.
ماحدث يوم الجمعة الماضية يدق ناقوس الخطر، ويفجر الكثير من الأسئلة، ماحدث يدفعنا جميعاً وبقوة إلى أن نعي مسؤوليتنا تجاه أنفسنا وما حولنا لكثير من الاعتبارات، فهذه الأرض ليست كسواها وإن كنا بشراً لا نختلف عمن سوانا من أبناء البشر على وجه هذه الأرض، علينا أن نعي مسؤوليتنا، وأن يستيقظ الغافلون والجاهلين والغارقون في شؤونهم الخاصة، علينا أن نعي دورنا بدءاً من كبارنا علمائنا وأساتذتنا ومثقفينا كل في مجاله، فالأمن نعمة عظمى فقْدها - لا سمح الله - يعني حياة قاسية لا تعرف الاستقرار تنام على هاجس الألم وتصحو على ضجيج أبواب لا تعرف الهدوء والسكينة أو السلام.. ليس هذا هو زمن التذكير بالاختلاف وإشهار سيف النقد لبعضنا البعض وقد عشنا حقباً من الأزمنة بأمن وسلام رغم اختلافاتنا، فما الذي استجدّ خلال هذه الفترة، هي إذن تلك العقول الآثمة والأيدي الخفية التي تعمل في الظلام لتقويض أمننا وإفساد حياتنا، علينا جميعاً أن نعي بأن الأمن حالة واحدة لايمكن تجزئتها، أمن أهل القطيف بما فيهم الشيعة هو أمننا جميعاً، وكل تهديد لحياتهم واستقرارهم هو تهديد لنا فنحن أبناء وطن واحد، ونحن في زمن كثر فيه الأعداء والطامعون والمتربصون والله خير حافظاً وهو أرحم الرحمين. أخيراً أستعيد معكم قول سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى) كفانا الله تلك الحمى وذلك السهر.