د. فهد صالح عبدالله السلطان
قلة هم أولئك الذين يختلفون على أن إيجاد فرص عمل للشباب هو الهم الوطني الأول للقيادة وللمواطنين على حد سواء. الشيء الملفت للنظر في التعامل مع هذا الهم الوطني هو أن معظم الجهود الوطنية تصب في مسار التوظيف لا في العمل بمفهومه الشامل.
المتتبع لمسار التاريخ والإرث الوطني يلاحظ أن مجتمعنا بني على روح المغامرة والتجارة والبيع والشراء لا على الوظيفة بمفهومها الضيق.. بل كان شباب الأعمال يغزون بتجارتهم أسواق الأقطار المجاورة كالشام والعراق ومصر والبعيدة كالهند ودول الشرق الأقصى وينافسون رواد التجارة هناك! اذاً ما لذي حدث؟.. ولماذا تراجع شبابنا عن روح المبادرة حتى في بيئتهم التجارية المحلية وتركوها للقادمين من الخارج؟.. هل هو تراجع في روح المغامرة والمبادرة؟.. أم تراجع في الوعي والمفاهيم الاجتماعية وثقافة الاستقلالية والعمل؟.. أم في محدودية فرص التمويل والتشجيع؟.. أم ماذا؟ قد تكون الإجابة بأن الأسباب تعود لهذه العوامل مجتمعة وغيرها مع اختلاف درجة تأثيرها. إلا أنه يبدو أن صعوبة ومحدودية فرص التمويل لصغار المستثمرين تمثل العامل الرئيس وراء تراجع الشباب عن روح العمل والمبادرة، والرضى بوظائف محدودة الدخل ومحدودة الطموح.
من المفارقات العجيبة في الاقتصاديات الحديثة أن مؤسساتها التمويلية تميل لصالح الطبقة الغنية والمؤسسات أو الشركات الكبيرة، وهذا مكون رئيس في الاقتصاد الرأسمالي. ونحن في المملكة لسنا بدعاً من العالم، فمعظم بل كل البنوك التجارية تهتم بالكبار وبالكيانات الكبيرة، لأن هدفها الأساس هو الربح. وإن كان من اختلاف بين بنوكنا وتلك البنوك فهو أن بنوكنا لا تقوم بمسؤولياتها الاجتماعية على الوجه المطلوب وقد تم الحديث عن تقصيرها الواضح تجاه المسؤولية الاجتماعية في.
وليس هذا هو موضوعنا اليوم فقد تحدثنا عن ذلك التقصير في مقالات عدة سابقة؛ لكن الرسالة التي أردت التذكير بها في هذا المقال هي أن التركيبة الديموغرافية لمجتمعنا تتطلب مراجعة هيكل المؤسسات المالية والتمويلية. فمجتمعنا -على خلاف المجتمعات في الدول المتقدمة- مجتمع شبابي يمثل فيه الشباب دون سن التاسعة والعشرين قرابة 74% وتمثل فيه المؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر أكثر من 90% وبالتالي فإن المحرك الاقتصادي يرتكز بشكل كبير على المبادرين واصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة. وهنا تكمن المشكلة، لأن هيكل المؤسسات التمويلية بوضعه الحالي لا يدفع بهذا الاتجاه ولا يساهم في دعم تلك المنشآت. اذا ماهو الحل؟.. في اعتقادي أن الحل يكمن في إيجاد أدوات جديدة وميسرة لتمويل ودعم المؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر. والجميل في الأمر أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- يولي موضع دعم صغار المستثمرين اهتماماً خاصاً منذ أن كان أميراً للرياض وقد تبنى -سلمه الله- إنشاء مركز الأمير سلمان لريادة الأعمال آنذاك.. كما ظهر اهتمامه بصغار المستثمرين جلياً في خطابة التاريخي إبان توليه الحكم. لعل إنشاء بنك للمبادرين وأصحاب المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر يكون هدية ملك الحزم والمحبة لشباب هذا البلد الكريم، بنك تشترك في رسملته الحكومة والقطاع الخاص ويدار بأسلوب حديث بعيداً عن التعقيدات البيروقراطية التقليدية.. أعتقد أن في إنشائه نقلة اقتصادية نوعية دعم قوي لتمكين شباب وشابات الأعمال، وخلق فرص عمل جديدة. والله الهادي إلى سواء السبيل،،،