ما إن بدأت الاختبارات حتى تصدر العنوان أعلاه بعض وسائل الإعلام بصيغٍ مختلفة، فللّه جلَّ وعلا الحمد والمنّة على أن وهب لهذه البلاد من يحرص على أمنها وأمانها وسلامة أبنائها ومواطنيها وحفظ حقوق المواطنين والمقيمين ووقايتهم من كل ما يعكر صفو أجواء وطننا الغالي.
إنَّ الاختبارات هي حصيلةُ جهود أشهر عديدة شارك الأبناء آباءهم ومعلميهم في إعدادها ورعايتها حتى حان أوان قطاف الثمار وحصاد الجهود فمن جد وجد ومن زرع حصد.
ولكن تعلو في سماء الاختبارات ما يعكّر صفوها ويكدّر خاطرها حتى غدت أيام حصاد مقلقة وأزمة مفزعة ومشكلة لم تقو عليها إدارة المدرسة ومعلموها بل وزارة التعليم بحجمها الهائل فاستعانت بعصا الشرطي الغليظة، وذلك لأن الحصاد شابه بعض العفن بسبب قصور في التعامل مع بعض المواقف التربوية داخل جدران المدرسة أثناء العام الدراسي، حيث لم يتم التعامل معها بالشكل السوي السليم، فأثمرت عن علم في التفحيط والقيادة الخطرة ودرس في إدمان المخدرات وتجربة في المعاكسات أمام أبواب مدارس البنات وحالات من الاعتداءات والتطاول على بعض الزملاء والمعلمين.
(يوجد مشكلة) هذا الذي يجب أن تعلمنا إياه مواسم الاختبارات وما يشوبها من أحداث غير سارة وهي اختبار للمربين قبل أن تكون لأبنائهم هي تقييم للمدارس خاصة وللوزارة إجمالاً فلا بدَّ من رصد الأسباب ووضع الحلول لتنفذ من بداية العام الذي يليه.
وأورد لكم هنا تعاملين تربويين للمقارنة: بين حالة أحد الأطفال الذي انتقل مع والديه المبتعثين للدراسة في الخارج ليلتحق بعدها الصبي بإحدى الروضات هناك، لقد كان الطفل عصبيّ المزاج ذا سلوك متوتّر وبعد فترة تحسنت سلوكيات الطفل كثيرًا، وبالمقابل حالة طفلين- توأم - فبُعيد انتظامهما في إحدى رياض الأطفال هنا في بلادنا اتصلت المسؤولة في الروضة على ولي أمر الطفلين تأمر بعدم إحضار الطفلين إلى المدرسة لعدم استطاعتهما التعامل مع فرط الحركة لدى الطفلين إلا بعد عرضهما على طبيب نفسي مع العلم أن إجراءات القبول منطبقة على الطفلين فيا للعجب من تصرفٍ محزن لا مبالٍ يصدر من خريجة رياض أطفال يدعو للتساؤل: هل تخصص رياض الأطفال الذي يدرَّس في جامعاتنا قصر على التعامل مع الأطفال المؤدبين المطيعين الهادئين وما ذنب الطفلين أليس لهما حق في التعليم المناسب لشخوصهما ناهيك عن مشاعر الأبوين، إن المسؤولية في هذا التصرف لا تلقى على المعلمةِ المباشرةِ للحالة فحسب بل مديرة المدرسة لا بد أن يكون لها دورٌ في الإشراف والمتابعة والتوجيه، كما أن من المُسلّم به ألا يباشر تعليم الأطفال في رياضها إلا المتخصصات تربويًا.
إن فصل الطالب من المدرسة من قبل الإدارة هو بمثابة إعلان فشل تربوي وعجز مهني تعاني منه المدرسة بجميع طاقمها فإن من أولويات حقوق الطالب هو تعديل سلوكه ليستطيع الاندماج في المجتمع المدرسي وبالتالي يستطيع تلقي العلوم المختلفة ليكون فردًا صالحًا منتجًا.
فلا عجب أن يُستعان بالشرطة وسلطتها القوية للتعامل مع مخرجاتنا التربوية، إن الأساليب التربوية الخاطئة التي ينتهجها بعض التربويين للتعامل مع المواقف المتعددة في المدرسة منذ دخول الطالب صباح اليوم الدراسي حتى عودته صباح اليوم التالي- أربع وعشرين ساعة - لن أقول حتى خروجه منها ظهرًا لأن كل كلمة أو تعامل أو تصرف يبقى مع الطالب طوال اليوم في المدرسة والمنزل يختزله يفكر فيه ينتهجه يطبقه فيشجعه أو يحبطه بحسب الموقف الذي تعرض له في مدرسته.
إن فلذات الأكباد الّذين شكلوا عبئًا على الوزارة فاستعانت بالشرطة عليهم هم، الّذين كانوا في حاجةٍ إلى عنايةٍ خاصةٍ ورعايةٍ معينة يومًا بين جنبات المدرسة ولكن لم تقابل تلك الاحتياجات بالأساليب التربوية المناسبة وهذه المطالب أو الاحتياجات قد تكون إيجابية كرعاية موهبة أو تميُّز أو إنجاز فقوبلت بالإحباط أو الإهمال أو التحقير والاستهزاء.
وقد تكون احتياجات نفسية أو اجتماعية كبعض أنواع فرط الحركة، إهمال الواجبات، التعثر في الفهم والاستيعاب، تفاوت القدرات بين الطلاب، العدوان والتطاول، التقليد الضالّ لفئات منحرفة عقديًا أو سلوكيًا أو وطنيًا.
وقد تكون احتياجات وجدانية كالفراغ العاطفي وما ينتج عنه من إعجاب أو مظاهر سلوكية أخرى شاذة.
فلنعمل بجد وإخلاص على أن تكون مدارسنا محاضن حبٍّ وتقويم وإصلاح ورحمة وشفقة تعنى بجميع النواحي الشخصية (نفسية، عقلية، وجدانية، اجتماعية، دينية) لطالب العلم والطفل بداية، وذلك من أجل تنشئةٍ اجتماعيةٍ قويمةٍ لجيلٍ صالحٍ ينفعُ نفسهُ ودينه ثمَّ وطنه ومليكهُ جيلٌ ممتنٌ شاكرٌ لربه ووطنه غير جاحدٍ أو حاقدٍ أو مفسدٍ.
وختامًا لا بُدَّ أن ننتهج كمجتمع مترابط أساليب تربوية مدروسة مجدية ومتكاملة وفاعلة في رعاية أبنائنا الطلاب والطالبات بفتح جميع قنوات الاتصال المتعاونة بين البيت والمدرسة ومؤسسات المجتمع متسلحين بالحكمة والموعظة الحسنة البعيدة عن مظاهر العجز والفزع والتوتر والقلق من أجل نتائج تربوية سوية، والله تعالى أعلى وأعلم.