حمّاد السالمي
الجرائم الإرهابية التي تطال المصلين في جوامعهم وفي مقار عملهم وأسواقهم، لا يُمكن أن تُصنّف أو تُبرر بأي حال من الأحوال. الدين الإسلامي ليس شماعةً يُعلّق عليها الحمقى والمعاتيه سوءاتهم وقذرهم.. هذا الدين الخاتم، حرّم الدماء، وحفظ الأنفس، وصان الأعراض والأموال، ومع ذلك كله، يقفز إلى الواجهة من بين جموعه الغفيرة،
من يتصدر المشهد بوجوه قبيحة وأفعال شائنة، لا ترى في دين الرحمة هذا إلا الذبح والقتل والتفجير والتدمير، وتعتقد أن طريقها إلى الجنة والحور العِين هو من هنا فقط.
كم من مرة أنذرنا وحذرنا، ونبهنا إلى ما يجري من عبث بتعاليم الدين بكل الوسائل والطرق المتاحة. الغاية عند أعدائنا من بيننا، تبرر هذه الوسائل البشعة، وتشفع لأدواتها المأجورة تلويث الفكر بكم كبير من الشبهات، ورفع ذلك إلى درجة المحرمات، واستباحة العمل على تصنيف أبناء الوطن الواحد، والتكريه البغيض بين طوائفه سنية وشيعية على حد سواء، واستغلال المنابر والمحابر لبثّ الفتنة، فما كان محرماً في عُرفهم من قنوات فضائية ووسائط اجتماعية، أصبح حلالاً زلالاً للتنفير والتكفير، وللتحريض على القتل، وإباحة الانضمام للمنظمات الإرهابية، الذي بدأ بالقاعدة، ووصل إلى داعش وخلافها، بل التحبيب والندب لهذا الجرم العظيم، وتسهيل الوصول إليه، ودعم فرق الموت التفجيرية، التي لم تستثن مدينة في المملكة، ولم توفر فئة أو طائفة إلا استهدفتها، في مسجد كان أو حسينية أو مكان عام، وآخر هذه الأعمال الإجرامية، ما حدث في مسجد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بلدة القديح بالقطيف من المنطقة الشرقية، وراح ضحيته أكثر من عشرين شهيداً ومئة ونيف من المصابين. والطريقة ذاتها طالت حسينية في الدالوة في محافظة الأحساء قبل ستة أشهر، واستشهد من استشهد وأصيب العشرات.
هذه الأفعال الإجرامية وخلافها من أذناب القاعدة وداعش، تكشف عن خطط وأهداف ونوايا لم تعد خافية على الشعب السعودي، الذي يدرك جيداً أنها تستهدف لحُمته الوطنية، وتسعى إلى زعزعة أمنه، وخلخلة كيانه الوطني الذي يجمع عليه المواطنون كافة سنّة وشيعة، وما وقع في مسجد يصلي فيه الشيعة ليقال بأنه من تدبير السنة، يمكن أن يتكرر في مسجد يصلي فيه السنّة ويقال بأنه من تدبير الشيعة..! ونحن نعرف جيداً سنة وشيعة، أنه إذا كانت أدوات التنفيذ في هذه العمليات الإرهابية هي من بين شباب هذا الوطن سنة أو شيعة، فإن المخطط والمستفيد هو عدو خارجي يختبئ في عباءة القاعدة وداعش، ويمدهما بالدعم المالي واللوجستي، ويحتضن قياداتها، ويشرف على معسكرات تدريباتها في مدن إيرانية وعراقية وسورية ولبنانية.
منفذو هذه العمليات الإرهابية القذرة، ليسوا أكثر من أدوات ودمى، تم غسل أدمغتهم بفعل خطاب ديني تحريضي متشنج، لا يدرك قيمة الوطن الذي يعيش فيه، ولا يقدر أهمية أمن هذا الوطن، ولا يعرف مدى الضرر الذي يتسبب فيه لوطنه ومجتمعه، بما يقول ويفعل من تغرير ودعم للمشروع الإرهابي في المنطقة. من هذا المنطلق، طالبنا ونطالب بنظام حازم صارم، يجرِّم العنصرية بكافة أشكالها، ويُحاسب ويُعاقب كل من يُحرض طائفياً، ويُكرّه مذهبياً، وينتقص مناطقياً، ويستغل منصبه ومكانته في بثّ سمومه وحقده، دون وازع ديني، ولا غيرة وطنية، ولا حمية أمنية.
قالها ملكنا المفدى (سلمان بن عبد العزيز) في برقيته الكافية الشافية لسمو ولي العهد إثر تفجير مسجد المصلين في القديح.. قال: (كل مشارك، أو مخطط، أو داعم، أو متعاون، أو متعاطف مع جريمة تفجير مسجد الإمام علي بن أبي طالب ببلدة القديح، سيكون عُرضة للمحاسبة والمحاكمة، وسينال عقابه الذي يستحقه.. لن تتوقف جهودنا يوماً عن محاربة الفكر الضال، ومواجهة الإرهابيين والقضاء على بؤرهم).
هذا هو موقف قيادتنا الحكيمة، وهو موقف الشعب السعودي بكافة طوائفه ومذاهبه. الفكر الضال هو هدفنا حتى نجتثه، والإرهاب هو قضيتنا حتى نقضي عليه، ومواجهة التطرف، هي طريقنا لإنقاذ شبابنا من براثن مشايخ التغرير، وتجنيبهم عفن الكارهين المكرِّهِين، ووقف الردح اليومي عبر القنوات الفضائية الطائفية، ومن خلال حسابات السب والشتم والتحريض في وسائل التواصل الاجتماعي.
لكي لا ينشب (المحظور)، ويقع (المحذور)، وجبَ علينا الضرب بيد من حديد، على هامة كل عابث بوحدة البلاد وأمن العباد، ومحاسبة المصنفين والمحرضين والمكرِّهِين، ومعاقبة الطائفيين الموقظين للفتن في المجتمع الواحد، والبلد الواحد.
الفتنة نائمة، لعنَ الله من يعمل على إيقاظها من السفهاء. العقلاء يعرفون الفتنة وهي مقبلة، أما السفهاء فلا يعرفونها حتى تحرقهم.