يوسف المحيميد

كنت أتمنى أن يبادر يوماً صحفي ميداني، ويكتب تقريراً صحفياً عمّا يمكن أن يحدث في الرحلات الجوية، سواء بين الركاب وطاقم الطائرة، أو بين الركاب أنفسهم، وسواء في الرحلات الداخلية أو حتى الدولية، لأن ثمة مواقف يتعرض لها الراكب تسبب له الإيذاء والقلق، خاصة أنه يبقى أحياناً لساعات طويلة في رحلة جوية، مع ركاب غرباء، كأنما الظروف جمعتهم، ورغماً عنهم، في مسكن واحد!

ولعل أقل وأبسط أنواع الإيذاء، أن يجلس راكب بجوارك لا يتوقف عن التحديق بك، لدرجة أنك لا تستطيع أن تأكل أو تقرأ أو حتى تتنفس، إن اخترت فيلماً من قائمة الأفلام، أو فتحت كتاباً، وجدته يشاركك المشاهدة أو القراءة، لدرجة أنك تتوقع أحياناً أنه قد يمد يده ليوقفك حين تهم بقلب الصفحة، لأنه لم يكملها، ولم يسايرك في سرعة القراءة!

وتزداد المعاناة إذا كانت من تتعرض للمراقبة والتحديق امرأة، من قبل رجل بذيء ومتطفل يجلس بجوارها أو قربها، ولا يكف عن التحديق بها، ومراقبة حركاتها وسكناتها، بل حتى لا يخجل من التنقل ببصره على كل جسدها، حتى لو كانت نائمة، إلى درجة أنني سمعت من نساء كرهن السفر مع أطفالهن دون أزواجهن، خاصة في الرحلات الداخلية، لكثرة ما يتعرضن من مضايقات وإيذاء، دون أن تستطيع الواحدة منهن الشكوى أو الاعتراض، فهي لم تجد من ينصفها وهي على الأرض، كيف وهي في السماء!

ومع ذلك وضعت الدول المتقدمة تنظيماً يضبط حقوق الركاب، ويحميهم من المضايقات والمعاكسات، يتضمن أربع مراحل متدرجة من التحذير والعقوبة، تبدأ من التفاهم ودياً، ثم الإنذار النهائي، وفي المرحلة الثالثة يتم توجيه إنذار خطي من المشرف على الرحلة للشخص المعاكس، وأخيراً في أقسى العقوبات يتم تسليمه لسلطات بلد الوصول، مما قد يعرضه للسجن والغرامة.

هذه العقوبات التي تفرضها لوائح الطيران المدني حول العالم، مستقاة من نظام منظمة الطيران الفيدرالية الأمريكية، وتم تنظيمها لضبط سلوكيات الركاب على متن الطائرات خلال الرحلات الدولية أو الداخلية، وهو قانون يجب أن يسري على جميع المنظمات التابعة، دونما استثناء!

فمن غير المعقول أن تتورط راكبة براكب جار (غثيث) ومؤذٍ، يرسل نظرات وقحة إليها بين الفينة والأخرى، أو يحادثها دون رغبة منها، أو يبادر بمد الوجبات نحوها، كما لو كان مضيفاً، أي (يتميلح) كما يقول السعوديون، دون أن يتم لفت انتباهه، أو تحذيره، أو معاقبته!

أتمنى للقراء المسافرين رحلات آمنة، مريحة، وخالية من تلصص الآخرين وإزعاجهم!