سعد بن عبدالقادر القويعي
لم تكن رعاية - سمو الأمير الدكتور - فيصل بن مشعل - أمير منطقة القصيم -، خلال جلسته الأسبوعية بقصر الضيافة - قبل أيام -، وإطلاق حملة « معاً ضد الإرهاب والفكر الضال «، والتي تستهدف صناعة الإطار التوعوي الوطني للجهات الحكومية، والخيرية، والخاصة بالمنطقة تجاه محاربة الإرهاب، وسلوكياته، والأفكار الضالة الهدامة، سوى مبادرة من المبادرات الوطنية الرائدة، والفعاليات المستمرة التي تتبناها الإمارة سعياً ؛ لتحصين أبناء، وبنات الوطن أمام محاولات نشر الفكر الضال، - خصوصا - عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تعدّ - اليوم - الأكثر تأثيراً بين أوساط الشباب.
الشباب هم صناع الحياة، وقيادات المستقبل، وعلى عاتقهم تقع مسؤوليات جسام، والتي نستنهض بها الحاضر، والمستقبل. ومع ذلك فقد يستغل الشباب من جهات خارجية ؛ لتحقيق مصالح شخصية تتعارض مع مصالح الوطن، وقد تهدد وحدته الوطنية، وسلمه الاجتماعي. ولا عجب - حينئذ - أن نرى من يحاول متعمدا الرهان على الشباب، وإدخالهم في بؤرة المشهد التخريبي، الذي تحكمه أطراف الصراع الخارجي، فأصبحت - مع الأسف - مصدرا للإزعاج، وبثا للعنصريات، والمذهبيات، وتأجيجا للكراهية، والعدوات، ونشرا للأكاذيب، والشائعات، كل ذلك ؛ من أجل تشتيت المجتمعات، وزعزعة الأمن، وتفرقة الصف.
وشأن كل فكرة خبيثة لا تراهن على النتائج الفورية، بقدر ما يكون الرهان مستقبلا ؛ تكريسا لمبدأ تشكيل وعي الشباب، ولمنظومات قيمية، وسلوكية، تظل عالقة في أذهانهم. وفي المقابل، العمل على التشكيك بدور العلماء، والمفكرين ؛ حتى يفقدوا الحصانة القادرة بموجبها على مواجهة حملات الإفساد، والتضليل، - وبالتالي - فقدان حالة الثقة بين الشباب، وبين عصب الأمة.
من خلال قراءة الأحداث، لا يغيب عن المتابع مدى شراسة الهجمة ضد هذه البلاد، والذي تظهر تجلياته في تخريب عقول الشباب، بعيدا عن منهج الصحيح ؛ ليكونوا صيدا سهلا لهذه المؤامرات العبثية، التي تحاك لهم عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، وتقرير مصير المجتمعات وفقا لمصالح خارجية، باعتبار أن مشاريعهم لا تهدد دولة بعينها، بل تهدد الأمة - كلها - ؛ لتغرس بذور الصراع الدموي، الذي أنتج أشواكا، ومآسي على طول الأعوام الماضية.
لقد بلغ التصدع، والانشقاق، إن لم نقل التطاحن أعلى درجاته، بعد انتكاسات عاشتها الأمة الإسلامية. وهو ما أدركه الغرب، من أن الروح الإسلامية إذا ما طُبقت، فستسود العالم بتوحده، وتكاتف أبناءه. وعليه، فإن سياسة « فرق تسد «، مع استغلال ضعاف النفوس أمام الإغراءات المادية، أو المعنوية، هي من تعمل على إثارة النزعات العرقية، والدينية، والمذهبية، وتقويض الأمن، والاستقرار ؛ من أجل تمزيق أوصال الدول، والعمل على انهيار أركان المجتمع الأوسع.
وبنظرة سريعة إلى دول من حولنا، عانت من عدم استقرار سياسي، وما حدث فيها من انقلابات، وفوضى عارمة، إذ لا يأمن الإنسان على حياته، أو ماله، أو عرضه، سنلحظ الفرق الشاسع بين الحالين المتقابلين. ومع كل تلك الحقائق على أرض الواقع، يخرج علينا - مع الأسف - من بيننا، من يريد إشعال نيران الفتنة، رافعا شعارات جوفاء عن المحبة، والتسامح، متعصبا لأجندته المبنية على العصبية الطائفية، والمذهبية، والشعوبية، أو أي مقصد آخر.
من الإنصاف أن نعترف، أن ثمة مشكلة قائمة، وستبقى هذه المهمة في أعناق علماء المسلمين؛ لإنقاذ الأمة من الأفكار الدخيلة على ديننا، والتي استغلها الخصم في تشويه صورتنا، ورسالتنا، وتاريخنا، ويستند بعض هذه التصورات على عدد من المتطرفين ؛ لتستكمل صورة العدو، - باعتبار - أن الإسلام عدو على الدوام. ولن يتحقق هذا التصحيح إلا بالممارسة العملية لمضامين الإسلام، ومعطياته الإيجابية، الذي لا يقبل الخلط، ولا المواربة، - إضافة - إلى ضرورة تخليص الأتباع من وطأة الأهواء الذاتية، والمصالح الخاصة، والتي لا يمكن أن تُوصف بسعة الأفق، وبعد النظر - بحال من الأحوال -.
ثم إن الاعتدال في شتى نواحي الحياة، يعتبر من أعظم المبادئ التي حثت عليها الشريعة - عقيدة وعلما وعملا وأخلاقا ومواقف -. وهو منهج الأنبياء، وأتباعهم، ولا يتحقق ذلك إلا بما أقرته أصول الإسلام، ومصادره الأساسية من الالتزام بالكتاب، والسنة، وسبيل المؤمنين. ويتمثل ذلك بالإسلام الصحيح بعد مبعث - النبي صلى الله عليه وسلم -، وبالسنة، ومنهج السلف بعد ظهور الأهواء، والافتراق، وتقديم الإسلام في حقيقته، ومحكماته، بعيدا عن التأويلات المتشابهة، أو المغرضة، أو بما علق به من بعض مظاهر الغلو. والأمل في الخروج من هذا، هو في عودة أمة الوسطية التي نشرت الحق، والعدل، والسلام.
بقي ما يمكن أن يقال : إن الضوابط الشرعية تعمل على توفير المصلحة العليا للبشر على أساس الموازنة، مع تصحيح الأخطاء ؛ لتحييد آثار خطاب الكراهية قدر الإمكان، وعدم تشجيع الآخرين على ارتكاب الأفعال ذاتها بدافع رد الاعتبار، أو الانتقام ؛ ولأن مشروعا - كهذا - يحتاج إلى جانب المكون الفكري عناصر جوهرية، يأتي في مقدمتها : عدم التحريض على العنف، والكراهية، - إضافة - إلى تعزيز القيم الإنسانية المشتركة ؛ من أجل منع إثارة الفتن في المجتمع، وحرصا على القيمة المعنوية للإنسان، وسنظل راكنين لمجموعة المطالب السابقة، كونه يضمن الحد المقبول من الاستقرار العام، وسيظل علماؤنا الربانيون هم من يتصدرون المشهد العام ؛ حتى لا يعبث بها المخربون، ومن في قلبه مرض. وهم من سيراهنوا على شباب الوطن ؛ لحماية الوطن كنقطة إيجابية ؛ وليقول شبابنا كلمته الرافضة لأي شكل من أشكال العبث. فانتصارنا لبلدنا هو انتصار للذات، ودفاعنا عنها هو دفاع عن الذات.