د.دلال بنت مخلد الحربي
ظل مفهوم التاريخ موضوع تعريفات متباينة وجدالات عديدة من دون الوصول إلى رأي موحد؛ الأمر الذي جعله حتى هذه اللحظة خاضعاً لتفسيرات عديدة ورؤى مختلفة, لكن في المقابل هناك حقيقة ماثلة، تكاد يُتفق عليها: أن ما من مؤرخ إلا ويضع شيئاً من شخصيته في مجال الموضوع الذي يكتب عنه أو يؤرخ له.
إن اندماج الذات في موضوع البحث يجعل الكتابة التاريخية على تعقدها رهينة المؤرخ والباحث الذي يصنع تاريخها، وليس رهينة المصدر الذي يستخدمه المؤرخ، وبذلك تكون كتابة التاريخ على تطور مناهجها وتعدد وسائلها وتنوع مواضيعها وتشعب اهتماماتها وتباين نتائجها خطاباً على واقع, وكتابة عن وجود حقيقي وقراءة معينة لتاريخ ما، فتتقلص في النهاية المسافة بين التاريخ كمرحلة زمنية عاشتها أمم سابقة، والتاريخ كإسقاط وتصور وتأويل وتبرير وتفسير.
كتاب «كتابة التاريخ في المملكة العربية السعودية (العولمة والدولة في الشرق الأوسط)» لمؤلفه يورك ماتياس ديترمان، الذي نشرته جداول في هذا العام, تناول أسئلة معينة تندرج في الإطار العام للمقدمة السابقة, وفي إطارها الخاص تستقصي أسباب ظهور التعدد الروائي للكتابة التاريخية السعودية. ولاكتساب فهم شامل على التعدد الروائي استند الكتاب إلى قراءة واسعة للنصوص السعودية لباحثين ومؤرخين سعوديين وآخرين كتبوا في التاريخ السعودي.
وبحسب وجهة نظر المترجم للعمل رأى أن الكتاب يدور حول سؤال محوري، هو: كيف نظرت المملكة إلى تاريخها ودونته؟ وقد سعى المؤلف إلى تطوير مناقشاته الخاصة حول الروايات والتفسيرات، واتبع مقاربة زمنية وموضوعية، اتضحت في فصول الكتاب الخمسة؛ ليصل إلى نتائج، منها التعدد الروائي للكتابة التاريخية في المملكة العربية, وتطورها مما يسمح بتعدد الكتابة التاريخية المستقبلية..
الكتاب في مجمله شيق، ويقدم مادة جديدة، اعتمدت على جهد المؤلف في مقارنة كتابات المؤرخين والباحثين السعوديين, ومن مقابلة بعضهم, واستناداً إلى رؤية عالمية سادت حول مواضيع معينة طبقها على دراسته؛ ليخرج الكتاب محملاً بنقاشات وطروحات جديدة ورؤية، قد نتفق معها أو لا نتفق، إلا أنها تعبر عن رأي ساق من أجله المؤلف الكثير من الدلائل والبراهين.