محمد سليمان العنقري
مفهوم الأمن الاقتصادي واسع ومتشعب ومن بين أهم دعائم تعزيزه بناء كوادر بشرية وهو ما ركزت عليه المملكة بالسنوات الماضية حيث استحوذ قطاع التعليم والتدريب على 25 بالمائة من الميزانيات العامة بالمتوسط وتعد بعض التخصصات العلمية ذات أهمية كبرى في معادلة الأمن الاقتصادي ودور الكوادر البشرية فيه، فقبل أيام بدأت وزارة التعليم المرحلة الثالثة من برنامج الابتعاث التي تقوم على الابتعاث لصالح جهات حكومية كالتحلية والطاقة الذرية والقطارات بتخصصات كالهندسة ولصالح مؤسسة النقد بالمالية والتأمين.
إلا أن برنامج الابتعاث يبقى محدودًا بحجم القبول قياسًا بمن يقبلون بالجامعات الوطنية التي تقارب 30 جامعة وتنتشر بكافة مناطق المملكة مما يعني أن تعزيز قوة الكوادر البشرية بالتخصصات المهمة وهي الطبية والهندسية والمالية يبقى الاعتماد الأساسي فيه على الجامعات بالداخل وليس بالابتعاث فنسبة الأطباء السعوديين تقارب 24 بالمائة من مجمل الأطباء بالمملكة مما يشكل فجوة كبيرة تحتاج إلى إعادة تخطيط للقبول بالجامعات حيث أصبح عدد الكليات الطبية 26 كلية حاليًا مما يتيح مضاعفة القبول لأكثر من 200 بالمائة فيما لو تم إعادة النظر بطرق القبول التي تحمل تعقيدات ليس لها أي تبرير منطقي حاليًا وذلك للوصول بعدد المقبولين على الأقل لخمس أو عشر سنوات قادمة إلى ما يقارب 15000 طالب على الأقل سنويًا بتخصصات طبية كالبشرة والأسنان بدلاً من الوضع القائم حاليًا حيث لا يصل المقبولون إلى أكثر من 5000 طالب وطالبة وذلك لمحاولة إقفال الفجوة الحالية والمستقبلية وتقليل الاعتماد على استقطاب الأطباء من الخارج لأن الدول أيضًا لا تقبل أن يخرج منها أعداد كبيرة من هذه التخصصات بينما المفارقة الغريبة هي أن تلك الدول تقبل أعدادًا كبيرة بجامعاتها بشروط أقل بكثير مما يطبق لدينا ومع ذلك نقبل استقطابهم للعمل لدينا وذات الأمر ينطبق على أهمية التوسع بالتخصصات الصحية المساندة كالفنيين والتمريض.
أما في تخصص الهندسة فنسبة السعوديين لا تتعدى 35 بالمائة من إجمالي المهندسين بالمملكة ومع التوسع الاقتصادي الضخم محليًا وحاجة المملكة لتخصصات هندسية متنوعة وأعداد كبيرة بشتى مجالاتها فإن رفع عدد المقبولين بعشرات الكليات بجامعاتنا لأضعاف العدد الحالي ضرورة ملحة وذلك لتعزيز دورالشباب المتخصص بمشروعاتنا الصناعية والإنشائية والخدمية وتقليل الاعتماد على الاستقدام من الخارج.
ومن المهم التركيز على القطاع المالي بتخصصات حديثة حيث تطورت أعمال هذا القطاع وتوسعت منتجاته واحتياجاته للكوادر البشرية وبما أن له دورًا رئيسًا بتنشيط أي اقتصاد مع الحاجة لمتخصصين يديرون منتجاته ويبتكرونها فإن إعادة هيكلة الأقسام المتعلقة بالتخصصات المالية يمثل تطورًا مطلوبًا لتعزيز قوة القطاع المالي بالاقتصاد بل إن هذا القطاع بخلاف أهميته بأي دولة أصبح يحقق نسب عالية بالتأثير بالناتج القومي للدول فالعمليات الماليات باتت احجامها بالتريليونات يوميًا بمختلف المجالات كما أن رفع حجم الاستثمار محليًا يتطلب جودة عالية بالإدارة المالية والاستثمارية للمنشآت الخاصة كالبنوك والمؤسسات المالية والتمويلية لتوطين وتنمية الاستثمار وتقليل الفاقد من الأعمال بهذا القطاع بمنتجاته وخدماته المتخصصة التي تتم من قبل بنوك عالمية بسوقنا.
هذه التخصصات وغيرها تمثل قيمة كبرى بأي اقتصاد يطمح للمنافسة عالميًا ولتعزيز الأمن الاقتصادي محليًا وحجم المنشآت التعليمية حاليًا ضخم وقادر على استيعاب أعداد ضخمة بتلك التخصصات والا ستكون الاستفادة من الكليات الموجودة أقل من حجم الاستثمار الحكومي الذي ضخ لإنشائها وتهيئتها بخلاف ما سيعانيه الاقتصاد من استمرا الاعتماد على الاستقدام من الخارج والنزف المالي الذي يتحقق منه بالحوالات وتقليل لدور الشباب بأن يكون هو المحرك الحقيقي لهذه القطاعات والتخصصات.