د. محمد عبدالله الخازم
اتجهت وزارة التعليم مؤخراً إلى توقيع اتفاقيات مع الجهات التوظيفية بغرض ضمان وظائف للمبتعثين، تحت مسمى وظيفتك وبعثتك. وهذه خطوة جيدة من الناحية النظرية، ننتظر تفاصيل وآليات تطبيقها. مقالي اليوم يرتكز على فكرة المثل الشعبي «سمننا في دقيقنا»، ويسأل أليس الأولى أن يستفيد التعليم أو وزارة التعليم من مخرجات الابتعاث؛ فيعلن مبادراته في مشروع وظيفتك وبعثتك قبل غيره من الجهات؟
وزارة التعليم، وسابقاً التربية والتعليم، اعترفت مراراً وتكراراً بأهمية تطوير العنصر البشري المتمثل في المعلمين ومن له علاقة بالتعليم، كالمرشدين النفسيين والاجتماعيين والإداريين، وغيرهم. بل إن هذا الجانب مثَّل جزءاً حيوياً في مشروع التعليم الذي رُصد له مليارات الريالات سابقاً. لقد سبق أن كتبت عن ضرورة هذا الجانب، واقترحت استمرار الابتعاث في التخصصات كافة، وعدم حصره على التخصصات الطبية أو التقنية؛ لأن الهدف النهائي من الابتعاث يجب أن لا يحصر في سد الشواغر الوظيفية، وإنما في الحصول على المعرفة النوعية العالمية، والاستفادة منها في تطعيم خبراتنا المحلية. التخصصات التربوية أراها أهم التخصصات التي يجب عدم توقف الابتعاث لها حتى ولو كانت بطالة خريجي كليات المعلمين بالآلاف. تعليمنا الأساسي تتدنى مستوياته عاماً إثر عام بسبب تواضع نوعية مخرجات كليات المعلمين والتربية المحلية وتحوُّلها إلى شبه نموذج واحد مكرر، يفتقد التنوع والثراء النوعي.
أحد طرق رفع مستوى التعليم والمعلمين يتمثل في جلب خبرات غير محلية، وأفضل طريقة لذلك تتمثل في الابتعاث؛ لذلك أطالب وزارة التعليم بأن تبدأ بذاتها، وتعلن منح ابتعاث سنوية للمعلمين، لا تقل عن ما أعلنته بعض الجهات الأخرى. أتمنى أن نصل مرحلة تخصص نسبة 5 % أو أكثر من وظائف المعلمين للخريجين السعوديين من الجامعات العالمية، وليكن ذلك خلال خطة زمنية منظمة، تمتد لسنوات عديدة. لقد وصلت إلى قناعة بأن قضية تطوير المعلم مهنياً لا تنفع معها مجرد الحلول التطويرية، رغم أهميتها؛ لأن الأساس ذاته ضعيف؛ لذا يجب أن يتم تطعيم التعليم بكفاءات ذات تعليم أجنبي متقدم. فهل تملك وزارة التعليم الجرأة لتضع خطة ابتعاث للمعلمين أم ستظل تفكر بنفس الطريقة التقليدية التي تخشى ردات الفعل، وتتعامل مع الابتعاث بالمنظور الضيق المتمثل في كون الابتعاث لسد الشواغر الوظيفية في التخصصات الطبية والهندسية فقط وليس لتطوير النوعية في المجالات كافة، بما فيها التي تفيض مخرجاتها المحلية عن الشاغر وظيفياً؟
الجانب الآخر الذي أطالب وزارة التعليم كذلك بأن تكون جريئة فيه يتمثل في الدارسين على حساب برنامج الابتعاث؛ إذ أشار معالي الوزير إلى أنهم ضمن خيارات التوظيف التي تم التوقيع معها على وثيقة وظيفتك وبعثتك. أيضاً، لماذا لا تكون وزارة التعليم حازمة وتوظف جزءاً كبيراً منهم في مدارسها وفي مدنها ومستشفياتها الجامعية الجديدة. قد نسلم بأن الوظائف الأكاديمية لها شروطها ولكن هل يعقل أن المستشفيات الجامعية والقطاعات الإدارية بالجامعات، بالذات الناشئة، لا تملك الفرص الوظيفية ولا تحتاج لتطعيم وظائفها بخبرات ذات تعليم خارجي؟ الجامعات السعودية مقدمة على افتتاح ما لا يقل عن عشرة مستشفيات جامعية، وهي تحتاج إلى كل التخصصات الصحية وغير الصحية، بما فيها الإدارية والتقنية؛ فلِمَ لا تتدخل وزارة التعليم فتفرض مبتعثيها في التخصصات ذات العلاقة على الجامعات لتوظيفهم بالمستشفيات الجامعية والمشاريع الجديدة؟ لماذا - على سبيل المثال - يذهب معالي وزير التعليم لإقناع وزارة الصحة بقبول المبتعثين ووزارته (وزارة التعليم) المقبلة على افتتاح هذه المستشفيات لم تقدم أية مبادرة في هذا الشأن؟
لست أحاول هنا إحراج وزارتنا العزيزة (وزارة التعليم) لكن هي أولى بالمبادرة من الآخرين..