لاشك أن موافقة مجلس الوزراء على فرض رسوم على الأراضي البيضاء كان له بالغ الأثر على المواطن، وهو ما نلاحظه من خلال انتشار الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي معبرين فيه عن عظيم شكرهم لخادم الحرمين الشريفين - حفظه الله -. وحيث إن المرحلة القادمة هي قيام مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بإعداد الآليات والترتيبات التنظيمية لذلك، ورفع ما يتم التوصل إليه إلى مجلس الوزراء تمهيداً لإحالته إلى مجلس الشورى لاستكمال الإجراءات النظامية في هذا الشأن. فقد بدأت وسائل الإعلام باستضافة المتخصصين للتنبؤ بمتطلبات المرحلة التالية، وبالتالي تقدم هذه المقالة بعض المؤشرات التي يمكن الاستفادة منها في بناء الآليات والترتيبات للمرحلة القادمة، من خلال الإجابة على بعض التساؤلات التي يختلف عليها المتخصصون.
فمن المتعارف عليه أن الدول (متقدمة كانت أو نامية) هي المسؤولة عن تقديم الخدمات للمواطنين ومنها توصيل الطرق والكهرباء والماء والحماية وغيرها من الخدمات الأخرى ويحق لها فرض الرسوم مقابل هذه الخدمات، لتستفيد منها في أكثر من جانب ومن أهمها دعم الناتج القومي، بالإضافة إلى الاستفادة منها في دعم الإنفاق على المشاريع مثل صيانة الخدمات للأحياء السكنية القديمة وتوصيل الخدمات للأحياء الجديدة، وكذلك توفير مصدر مالي لتوفير الأراضي وتغطية تكاليف بناء الوحدات السكنية المقدمة من وزارة الإسكان لذوي الدخل المحدود. وبالمحصلة فهو يخالف ما يعتقده البعض من أن الهدف من فرض الرسم هو تخفيض قيمة الأراضي.
وفيما يتعلق بما يتم تداوله من قبل المتخصصين في نوع الرسم وميل البعض إلى تصنيفها من أصناف الزكاة، فإنه يبدو أن الرسم لن يكون من الزكاة، نظراً لصعوبة تحديد الهدف من امتلاك الأراضي السكنية وهل هي بهدف التجارة أو غيره؟.
وأما ما يتعلق بالمقصود بالأرض البيضاء، فإنها من وجهة نظري تشمل جميع الأراضي التي تحملت الدولة الإنفاق عليها لتوصيل الخدمات لتجعلها مناسبة للسكن ولم يقام عليها بناء مرخص للاستفادة منها. وبالتالي فإنه يمكن أن يشمل جميع المخططات أو الأراضي الكبيرة أو الأراضي الصغيرة التي قامت الدولة بالإنفاق عليها وتوصيل الخدمات لها لتكون مناسبة لبناء عقار سكني أو تجاري ولم يقام عليها بناء مرخص للاستفادة من الخدمات المتوفرة.
وفيما يتعلق بالأراضي التي يمكن أن يشملها فرض الرسم، فإنه من وجهة نظري أن تكون لمن يملك قطعة بيضاء أو أكثر لم يتم تهيئتها للسكن، ويمكن تحديد العدد المسموح به للاحتياج الشخصي بعدد الأشخاص المضافين في دفتر العائلة. مع الحاجة إلى الإجابة على عدد من الأسئلة ومنها: كيف ينظر للقطع الكبيرة أو المخططات، وهل تعتبر قطعة واحدة أو أكثر؟. وهل هناك حد للمساحات في فرض ذلك الرسم؟. وكيف سيتم التعامل مع القطع الخاصة بالشركات أو الاستثمار؟
ولفعالية تحقيق أهداف ذلك القرار فإنه يمكن إنشاء هيئة للشهر العقاري أو تكليف وزارة الإسكان بهذه المهمة، مع إضافة مهمة إلى مهامها هي الرفع بمقترح تعديل ذلك الرسم بناءً على الدراسات التي تقوم بها لتحقيق أهدافها واحتياجات التنمية، مع أهمية أن يكون من مهامها إنشاء قاعدة بيانات تضم عدداً من المعلومات ومنها رقم القطعة والمخطط والحي، وملاك الأرض السابقون، وتاريخ انتقال ملكيتها، والأسعار والتغير فيها ومتوسط السعر خلال فترة محددة وغيرها من المعلومات المهمة.
وللتغلب على أكثر التساؤلات التي يتم طرحها في مشكلة احتمال عدم دفع الرسوم المحددة، أو ما قد يتم الاتفاق عليه بين البائع والمشتري من تحديد سعر يقل بكثير عن السعر الفعلي بهدف عدم دفع الرسوم الفعلية، فإنه ينصح بتكليف الجهة المختصة بتوفير وحدة متخصصة بتقييم العقار، وأن تعتمد على قواعد البيانات ودقة المعلومة المدخلة، والتكامل مع الجهات ذات العلاقة (مؤسسة النقد والبنوك)، للتأكد من أن المبلغ هو المتفق عليه للشراء، كما يكون من مهامها التحقق من المبالغ التي يتم الاتفاق عليها بين الطرفين ولا يوجد لها شيك مصدق. وأن يكون هناك قرارات عقابية في حال التلاعب في تلك الأسعار بهدف عدم دفع المبالغ المستحقة على تلك الأراضي. وهذه الآلية ستقضي على البيع الوهمي الحالي في بيع القطع بسعر يفوق بكثير السعر الحقيقي بهدف نشر فكرة أن هناك زيادة في أسعار العقار.
ولتحديد الرسم المناسب للأراضي البيضاء فإنه يلاحظ اختلاف الرسم بين الدول، وذلك راجع إلى وضع ميزانية الدول والتغير في دخولها، والحاجة إلى توفير خدمات أخرى في مناطق أخرى أو توفير منازل لذوي الدخل المحدود، وبالتالي فإن تحديد الرسم يمكن أن يتم بعد جمع المعلومات عن الأراضي وأسعارها والعائد المتوقع لها والهدف من القرار.
وحول إشارة البعض من أن فرض الرسوم سيزيد من قيمة الأراضي وأنّ المتضرر الأول هو المشتري فإن هذه النظرة تحتاج إلى إعادة نظر، لأن الرسم لن يكون كبيراً كما يعتقده البعض بشكل يؤدى إلى زيادة الأسعار أو انهيار الأسعار أو إرباك السوق. كما أن الرسم عندما يتم تحصيله يتم في الغالب الاستفادة منه في تطوير مناطق سكنية أخرى تدعم توجه الدولة لتوفير المكان المناسب لسكن المواطنين، وهو ما يمكن أن يصب في مصلحة استقرار الأسعار وليس زيادتها.
ولتحقيق هذه الترتيبات والآليات بشكل فعال فإنه من المناسب الرجوع للتجارب الدولية المتميزة في هذا الجانب والتي أعرف منها التجربة الناجحة للمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية مع تكييف التجارب التي يتم دراستها لتتناسب مع واقع المملكة العربية السعودية.
- وزارة الخدمة المدنية