كنت أود لو قلت الرجل إبراهيم ولكن من لا يزال بالعاشرة من عمره فلا يقال له إلا طفلا.. ولكني بعد أن سمعته ورأيته أقسم أني أدركت أن الرجولة لا تكون بأكثر من هذا, وأن عقل وحس وروح الإنسان لا يقاس بطول عمره ولا بقصره وإنما بهذا القدر الذي يبديه من الجمال ومن الفخامة ليس فيما يملك من مادة وإنما فيما ملكه إبراهيم ذلك الولد الذي كان يفرش بساطا بأحد الأسواق الشعبية يبيع بعض ألعاب الأطفال المتواضعة, وحين استوقفتني عيناي وأنا أنظر إليه واقتربت منه ومددت إليه يدي بشيء بسيط وقال لي: لا أنا أطلب لقمة عيشي بالحلال وبيدي.. اختلطت مشاعري وخجلت منه فقلت هل أحضر لك شيئا هل تريد بسكويت أو عصير قال لا, لا أحتاج ذلك وابتسم وشكرني! بل أنا يا إبراهيم من أدين لك بالشكر أنت يا إبراهيم أكثر غنى من كثير من أصحاب الثروات الذين لا تزال أعينهم فقيرة, أنت يا إبراهيم أكثر غنى من بعض من يملأ فاه بأموال اليتامى والمحرومين من يتاجرون بأرواح البشر لتملأ أكياسهم ظلما وهم يرونه مكسبا..
أنت يا إبراهيم رجل في صورة طفل رجل تجاوزت قسوة ظروفك فلم تطأطئ رأسك بل زادك إصرارا وعزيمة وعزة.. هذا الشرف يا إبراهيم هو من يصنع دعائم هذا الوطن الكبير وهذه الأمة التي كانت خير أمة أخرجت للناس..
هذا القدر من الكرامة التي لا تجرحها الحاجة هي من تبقي هذا الجمال في وجه الأرض, هي من تنزل علينا زخات المطر التي نفرح بها ونسمع بها حفيف شجر الحياة وهو يعزف في أرواحنا نغم القيمة الإنسانية التي لم يصِبها سواد الذنوب.. اثبت يا إبراهيم لنتعلم كيف نرى من أنفسنا غير ما يهيمن علينا من مصلحتها، ولنشعر أن الحياة لا تزال تحمل الجمال والخير، وأن الله ينظر إلينا فكل الخوف هو ألا ينظر إلينا.. في أمان الله وحفظ الله البلاد والعباد.