بحكم عملي في الإعلام التربوي بتعليم منطقة الرياض شَرفت بتغطيات إعلامية للعديد من الفعاليات والمسابقات، منها الشرعية والتربوية وعلى مدى سنوات متتابعة، لكن من أعمقها في القلب أثراً وأكثرها في الذاكرة حضوراً كانت لمسابقتي الملك الحازم سلمان بن عبدالعزيز لحفظ القرآن الكريم ومسابقة الأمير الراحل الطيب نايف بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - لحفظ الحديث النبوي، وكم اختزلت الذاكرة من تفاصيل المواقف بين المتسابقات، ولكم أن تعيشوا تفاصيل الحكاية لهذا الموقف الراسخ الذي لم يبرح مخيلتي لسنوات.
ذات صباح وفي تغطيتي لإحدى المسابقات حيث اللحظات المشوقة.. اللحظات التي تضج بالخشوع والروحانية وهيبة الحضور، لحظات عشتها بعمق مع المتسابقات أبت إلا أن تظهر فسطرتها اليوم بين أيديكم وإلى كل محب للخير في هذا المقال.. لا أنسى قبل ذلك اليوم قبل سنوات حيث أقبلت نحو قاعة التحكيم لتغطية فعاليات المسابقة فإذا بإحدى المتسابقات من أخواتنا المقيمات واقفة تهدئ من والدتها المتأثرة بهذه المناسبة - والتي كما يبدو أنها أربعينية في العمر- جلستا تبكيان بشدة، هنا أنا وقفت وتعثرت قدماي لا أدري أي حزن مرَّ بهما أم هي فرحة بالمشاركة أو رغبة بالفوز، اقتربت منهما سألت الأم بعد أن ألقيت عليها السلام وعرفتها بنفسي، قلت لها أريد أن أسألك أريد مشاعرك في هذا اليوم؟ وكيف وصلت بنيتك للتصفيات النهائية؟ فإذا بها تجهش بالبكاء لوقت طويل ثم قالت: «إن هناك مشاعر بداخلي أعجز عن وصفها لا أدري كيف أعبر عنها»، قلت: عبري بما تريدن وابدئي بما ييسر الله لك قالت: «إن ابنتي تحفظ اليوم 250 حديثاً، لا أعرف ولم تكن تعرف من قبل منها حرفاً ولا معنى ولا سنة؟! أي قدر جميل وسعادة قادتني لهذا البلد لو ما أتاني من خير إلا مسابقة نايف حفظه الله، - وكان رحمه الله بين الأحياء قبل الرحيل- أن تحفظ ابنتي سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم في الشرب في الأكل في نفع الناس في التلطف في الحديث في الآداب في الصدق في الأمانة..»، وتبكي وتضيف «في الصلاة في الزكاة في الصوم في فضل العلم والذكر وطهارة النية والعمل، وكيف نحفظ الله ليحفظنا ووو...»، وأردفت وأنا أسمعها، فحديثها الصادق يلامس شغاف القلب وكل من مرت وسمعتها وقفت. وأردفت «تعلمت ابنتي الكثير العظيم، وتعلمت أنا حيث أتابع معها حفظها أحاديث النبي، تعلمتها هنا فلم يتسنى لي قبل ذلك، يا الله كم أنا سعيدة أنني وفقت للعيش مع عائلتي هنا لأرى ابنتي تحفظ أحاديث النبي، ورواة الحديث وتخريجه، فشكراً من الأعماق ودعوات للأمير نايف» كان حينها -رحمه الله- بيننا فوق الأرض واليوم هو من الراحلين، لكن بقي ثمرات غراسه أجيالاً تتربى على القرآن والسنة بفضل الله ثم بفضله ومن شارك في هذا الفضل، فقد أوصى بالقرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو القائل: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي). ولأهل القرآن مكانة رفيعة، فعن عمرَ بن الخطابِ رضي اللَّه عنهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِسَلَّم قال: «إِنَّ اللَّه يرفَعُ بِهذَا الكتاب أَقواماً ويضَعُ بِهِ آخَرين» أخرجه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)، أخرجه مسلم، وعَن النَّوَّاسِ بنِ سَمعانَ رضيَ اللَّه عنهُ قال: سمِعتُ رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ: «يُؤْتى يوْمَ القِيامةِ بالْقُرْآنِ وَأَهْلِهِ الذِين كانُوا يعْمَلُونَ بِهِ في الدُّنيَا تَقدُمهُ سورة البقَرَةِ وَآل عِمرَانَ، تحَاجَّانِ عَنْ صاحِبِهِمَا»، أخرجه مسلم، وعنِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللَّه عنهما قال: قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «إنَّ الَّذي لَيس في جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرآنِ كالبيتِ الخَرِبِ»، أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، كما جعل الله محبة الرسول صلى الله عليه وسلم من محبته تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي} (31) سورة آل عمران. وكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل السنة ومبلغها، فقال: (نضر الله امرأً سمع منا حديثا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع)، رواه الترمذي ومعناه الدعاء له بالنضارة، وهي النعمة والبهجة، ويقال نضرة الله بحسن الجاه والقدر في الخلق، فأي كرامة وأي فضل، فأهل الحديث هم من لزموا سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتدارسوها وأكثروا الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
ويتنافس المتسابقون والمتسابقات برغبة وحب وإصرار لا للفوز بل لاستشعار معاني الحديث والتعلم والنهل من مصادر التشريع القرآن والسنة، والبشارات تتوالى لأهل القرآن وأهل الحديث، فهذا صاحب القرآن يُكرم يوم القيامة كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول يا رب، فليلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب أرض عنه، فيقال: اقرأ وأرق ويزداد بكل آية حسنة)، صحيح الألباني. بل يمتد التكريم لوالديه فيلبسان حلتين لا تقوم لهما الدنيا وما فيها وما ذاك إلى لرعايتهما ولدهما بحفظ القرآن، ومن كان وقته مع القرآن وحياته بالقرآن يعطيه الله فوق ما يتمنى ويكرمه جل جلاله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا حسد إلا في اثنتين رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل)، رواه البخاري، فهذا صاحب القرآن يكرم فكيف بمن علمه وكان سبباً في تنافس المتنافسبن في تعلمه وحفظه، خيركم خيركم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «خَيركُم مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعلَّمهُ « أخرجه البخاري.
توقفت تأملت أي الخيرين أعظم وأيها أزكى من يُطلق ويخصص جوائز ويتسبب في تنافس وأي تنافس في القرآن والسنة، فالحمد لله حمداً حمداً والشكر لله شكراً شكراً، صحيح ويقين أن «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ»، لكن الذائقة ستختلف كلاً بحسب ما صنع في دنياه سيقدم له في آخرته، فلنصنع الأثر وطوبى لمن ذاق الثمر.
- إعلامية تربوية بإدارة الإعلام التربوي بتعليم الرياض