د. محمد عبدالله العوين
يشتغل جهاز الدعاية الداعشي عبر وسائط التواصل الاجتماعي؛ كالفيس بوك وتويتر لكسب مزيد من الأنصار والمؤيدين، ويوجه خطابه في الأغلب إلى طبقة المراهقين ممن يقعون في المرحلة العمرية من 15-20 وإلى النساء، ويركز في رسائله ومحادثاته إلى هاتين الفئتين على البعد العاطفي ويضرب بصورة مبالغ فيها على وترين؛ التأثيم وتضخيم عقدة الشعور بالذنب وضرورة التكفير عن الخطايا عاجلا قبل الموت والحساب، ثم أوضاع الأمة المأساوية وهزائمها وما تعانيه من ضعف وتشتت وفرقة وهيمنة حضارية لغير المسلمين، وهنا يجد الشاب المراهق ذاته طيعة للمرسل وتجد الفتاة نفسها مستسلمة لعاطفة البوح وتدفق المشاعر النفسية، وتبدأ (هو أو هي) في تفريغ شحنات من الألم الذاتي الناتج عن براءة السن وعنفوان المراهقة ومثالية النشأة وشحنات أخرى من الألم الجماعي المنتمي للأمة، ويقع الصيد في الشِراك، وتبدأ التهيئة لضمه أو ضمها إلى من حوله من «الأنصار» لتجد الضحية لديهم المساعدة إن رغب أو رغبت في الهجرة إلى بلاد الخلافة؛ حيث المثالية الإسلامية المطلقة -كما يصورها الإعلام الداعشي- والعيش مع المجاهدين!
هكذا تكون البداية؛ وهكذا أيضا انخدعت فتيات صغيرات في السن من كل أنحاء العالم بمثل هذا النوع من الإغراء، ووجدت فيه فتيات إما إنقاذا لهن من أوضاع نفسية أو معيشية أو عاطفية يعشنها، أو اعتقاداً واهماً التكفير عن الذنوب ورغبة في التطهر منها، أو توقا إلى الزواج الذي يتطلعن إليه، وهو أمر متيسر جدا عند المجاهدين؛ فجلهم مهاجرون بدون زوجات أو لم يتزوجوا بعد.
لقد دونت وسائل الإعلام قصصا مأساوية لمن انخدعن بأوهام النفير إلى الجهاد المزعوم؛ ونذكر على سبيل المثال قصتين فحسب؛ لإقامة الحجة على فساد الدعوة إلى إخراج النساء من بيوت أسرهن، وتهريبهن إلى مواطن الصراع بدون محرم، ثم تزويجهن بدون إذن وال، ومن ذلك قصة الأختين المراهقتين الصوماليتين المقيمتين في النرويج مع أسرتهما؛ فقد فوجئ الأب المسكين باختفائهما فجأة، وبعد طول بحث وسؤال علم أنهما «نفرتا» للجهاد في سوريا، فرحل للبحث عنهما، ووصل إليهما بمشقة وبعد دفع كثير من المال لإحدى الفصائل المقاتلة، ووجد إحداهما قد تزوجت مجاهدا نيجيريا فأراد تخليص ابنته منه؛ فامتنع عليه واحتج بأنها زوجته؛ فقال الأب المسكين: كيف تزوجتها بدون إذني وأنا والدها؟! فقال المجاهد: أنت لست وليها، إن وليها البغدادي!
ومن ذلك أيضا قصة من عرفت بـ»ملكة جمال داعش» الفتاة النمساوية البوسنية الأصل «سامرا كيزينوفيتش» ذات الستة عشر ربيعا وصديقتها «سابينا سلموفيتش» ذات الخمسة عشر ربيعا؛ فقد تأثرتا بأفكار الشباب الشيشاني المقيم في فينا واقتنعتا بضرورة الهجرة للجهاد، وعزمتا على ذلك مطلع عام 2014م وغابتا فجأة عن أسرتيهما اللتين تلقتا منهما رسالة تقولان فيها «نحن على الصراط المستقيم، سافرنا لنقاتل في سوريا من أجل الإسلام، ولا جدوى من البحث عنا، سنجاهد في سبيل الله ونموت من أجله، نراكم في الجنة»! وكما هو بين تنضح هذه الكلمات بروح مثالية بريئة تنم عن صفاء نية ونبل غاية؛ ولكنهما لم يعلما وقتها ماذا ينتظرهما في عالم الجهاد والمجاهدين الذي كانتا تحلمان به؛ فبعد وقت وجيز من وصولهما واستعراض صورهما قبل وبعد التحول، سافرتين ومنقبتين، ومتمنطقتين بالكلاشنكوف اختفتا ودخلتا عالم الخصوصية، وبعثت من كانت تلقب بالملكة بعد أشهر رسالة إلى أهلها تشكو أنها تتعرض للاغتصاب إلى حد أنها ربما تغتصب أكثر من مائة مرة في اليوم، ولم تترك حتى في أوقات دورتها الشهرية، وأنها حامل ممن لا تعلمه!
وبعد وقت غير طويل من هذه الشكوى أفادت وزارة الداخلية النمساوية بأنها تلقت خبراً عن مقتل أو موت «سامرا» في ظروف غامضة.