نظر الدين الإسلامي للإنسان نظرةً مختلفةً عن الديانات الأخرى والنظريات البشرية التي وضعها المفكرون الغربيون, فالإسلام ينظر للإنسان على أنه خيِّر, والنصرانية تنظر للإنسان على أنه شرير، فالتربية لا تصلحه وإنما يصلحه أن يؤمن بالمُخَلِّص (عيسى عليه السلام), أما الفلسفة الواقعية عند أرسطو فنظرت للإنسان على أنه صفحة فارغة بيضاء والبيئة هي التي تشكله, في حين نجد أن الفلسفة المثالية عند أفلاطون كانت تقسم الناس إلى أحرار وعبيد من خلال ثلاث فئات هم: (الصُناع, والمحاربون, والفلاسفة). وهذا الاختلاف يعود إلى أنَّ الدين الإسلامي اعتمد على مصدر المعرفة من (الوحي), أما المفكرون فاعتمدوا على مصدر المعرفة من (العقل, أو الحس, أو التجربة, أو الحدس) متجاهلين بذلك الدين الإسلامي, مما جعل المفكر الغربي ينظر إلى نفسه نظرة التعالي والغرور عن الخالق عز وجل. وعندما نتساءل لماذا اهتم الدين الإسلامي بالإنسان أكثر من بقية المخلوقات الحية الأخرى؟ سنجد بأن ذلك الاهتمام يرجع لعدة أسباب وهي:
أولاً: أن الإنسان مُخاطب بالرسائل السماوية, وقد استهدفه الله تعالى بذلك.
ثانياً: خُلِقت السماوات والأرض مترتبة على خلق الإنسان, ومن ثمَّ فإن الإنسان مراع في كل ما في الكون.
ثالثاً: يُمثل الإنسان معياراً لتقويم الفلسفات والنظم سواءً كانت اجتماعية أو اقتصادية أو تربوية أو غيرها.
رابعاً: يُعد الإنسان هو موضوع وصُلب التربية. وعندما نتأمل في عناصر التصور الإسلامي عن الإنسان نجد بأنها قد شملت ما يلي:
أولاً: الإنسان مخلوق, لقوله تبارك وتعالى: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ}.
ثانياً: الإنسان مخلوقٌ لغاية, وهي تحقيق العبودية لله تعالى, لقوله تبارك وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.
ثالثاً: الإنسان مخلوقٌ مكرم, ويتلخص ذلك التكريم من الله عز وجل للإنسان في عدة أمور منها:
* لقد كرم الله الإنسان بسجود الملائكة له, لقوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا}.
* أنزل الله على الإنسان الوحي وخاطبه بالرُسُل, لقوله تعالى {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.
* خلق الله الإنسان في أحسن تقويم, لقوله تعالى {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}. وهذا التصور مخالف لِما جاء به داروين في نظريته النشوء والتطور باعتبار أن الإنسان يتشابه مع الحيوان في النوع ويختلف في الدرجة.
رابعاً: الإنسان مخلوقٌ مميز وجدانياً وعقلياً, وكلاهما جزءان من الفطرة تهيئةً لاستقبال الرسالات, (وجدانياً) ليدرك الخير من الشر, فمثلاً/ يستنكر الظلم ويشعر به, (وعقلياً) ليميز بين الحق والباطل, فمثلاً/ يتبع الإسلام ويتجنب الكفر.
خامساً: الإنسان يولد وهو لا يعلم شيئاً, بمعنى أنه لا توجد لديه خبرات سابقة كما يزعم مؤسس النظرية المثالية (أفلاطون), قال تبارك وتعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}.
سادساً: الأصل في الإنسان الخيرية, وفيه استعداد للاستجابة لدواعي الخير ودواعي الشر, وهذا التصور جاء معاكساً للنصرانية التي تنظر للإنسان على أنه شرير.
سابعاً: الإنسان مخلوقٌ متأثر بالبيئة المحيطة به, فشرع الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, لقوله تبارك وتعالى: {وَلتكُن مِنكُم أُمّة يَدعُونَ إلى الخَيرِ ويَأمُرُونَ بِالمعرُوفِ وَيَنهونَ عَنِ المنكَرِ}.
ثامناً: الإنسان أهلٌ لتحمل المسؤولية عند البلوغ, فهذا علي بن أبي طالب ينام في فراش الرسول صلى الله عليه وسلم ويحمل سِرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم (وهو شاب).
تاسعاً: الإنسان مخلوقٌ مُبين, قال تبارك تعالى: {خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ البَيَانَ}, فالبيان أداته اللغة, واللغة والتفكير وجهان لعملة واحدة, ويتجلى هذا الأمر في عدة نقاط هي: (اللغة هي أداة التفكير, واللغة هي أداة تواصل اجتماعي وحضاري, وكلما زادت حصيلة الإنسان اللغوية أمكنه أن يتابع الأفكار الأكثر عمقاً).
عاشراً: الإنسان له حرية الإرادة والاختيار, إما لعمل الخير أو لعمل الشر, فهو ليس مجبراً على فعل شيءٍ محدد, لقوله تبارك وتعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا}.