فضل بن سعد البوعينين
تولي المجتمعات المتقدّمة التعليم التقني والمهني اهتماماً بالغاً؛ باعتباره ضرورة تمليها متطلبات العصر؛ واحتياجات الصناعة؛ والتنمية المجتمعية والاقتصادية. يرى خبراء التنمية أن نظام التعليم الفني والتدريب المهني الياباني أسهم بشكل لافت في نجاحها؛ وتفوقها الصناعي على منافسيها. لم تعتمد اليابان بشكل كبير على المؤسسات الحكومية في توفير التعليم الفني والتدريب المهني؛ بل كان تركيزها الأكبر على مخرجات التدريب والتعليم الذي تقدمه الشركات الصناعية الكبرى لموظفيها. إضافة إلى ذلك حرصت اليابان على تضمين مناهج التعليم الفني والتدريب، ضمن نظامها التعليمي في المدارس الثانوية الفنية بشكل خاص. اعتمدت بعض الدول الصناعية على الشراكة بين المؤسسات التعليمية والقطاع الصناعي لتطوير منظومة التعليم التقني والمهني وتحسين مخرجاتها؛ وتجسير الهوة بين احتياجات القطاع الصناعي المتغيرة ونوعية تخصصات ومواد وخريجي المعاهد التقنية. اعتمدت أرامكو السعودية لعقود طويلة على إمكانياتها التعليمية لرفع كفاءة موظفيها وتطوير قدراتهم؛ والربط بين ساعات العمل الشاقة وبين استمرارية التعليم الذي نجح في إعادة تأهيل الكثير من موظفيها ممن انقطعوا عن الدراسة النظامية من أجل العمل. نجاحات مشهودة حققتها أرامكو السعودية؛ فوزير النفط الحالي المهندس علي النعيمي من خريجيها المخضرمين.
توسع أرامكو السعودية؛ ورغبتها في التركيز بشكل أكبر على عملياتها الرئيسة دفع بها للاستفادة من خدمات مراكز التدريب المستقلة التي لم ترتق مخرجاتها إلى مستوى مخرجات أرامكو السابقة. لم يكن ضعف المخرجات مرتبطاً بالكفاءة فحسب؛ بل بنوعية برامج التدريب غير المتوافقة بشكل كلي مع احتياجات القطاع الصناعي الحديث.
على الجانب الآخر؛ عانت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني؛ في فترات ماضية؛ من معوقات حالت دون تقبل مخرجاتها في القطاع الصناعي؛ لأسباب مرتبطة بمتغيّرات التقنية؛ واحتياجات السوق؛ وتطور احتياجات الصناعة. أدركت المؤسسة أهمية الشراكات النوعية في تطوير المخرجات؛ وربطها باحتياجات السوق؛ وخلق الوظائف ما دفعها للاهتمام بعقد شراكات عالمية قادرة على رفع كفاءة التعليم التقني في معاهدها المنتشرة حول المملكة؛ والاستثمار الأمثل في رأس المال البشري. الشراكة بين المعاهد بأنواعها؛ والشركات الكبرى تسهم في الاستفادة من خبرات القطاعين لتحقيق المصالح المشتركة بينهم؛ فتأتي المخرجات متوافقة مع متطلبات السوق والشركات المعنية.
المعاهد الصناعية أحد أهم مكونات منظومة التعليم المحلية؛ إن لم تكن أهمها على الإطلاق. اعتماد «الصناعة» كهدف إستراتيجي يفرض على الحكومة الاهتمام بشكل أكبر بالتعليم والتدريب لتوفير القوى البشرية القادرة على تشغيل وإدارة المنشآت الصناعية؛ والإسهام في التطوير والابتكار.
أزعم أن شراكة المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني مع «أرامكو السعودية» إحدى هم الشراكات الإستراتيجية الفاعلة في قطاع الصناعة؛ والهادفة إلى خلق كفاءات وطنية من خلال التدريب المتخصص والمتوائم مع تطورات واحتياجات سوق العمل. أثمرت الشراكة النوعية عن تدشين «المعهد الوطني للتدريب الصناعي» في محافظة الأحساء، ذات الكثافة السكانية المرتفعة؛ كما أسهمت من قبل في إنشاء مؤسسات تعليمية متطورة.
أعتقد أن العمل الإستراتيجي الاحترافي قادر على تحقيق الأهداف المرسومة بعناية؛ خاصة في قطاع التدريب التقني؛ الذي يفترض أن يكون أكثر احتواءً لخريجي الثانوية العامة من الجامعات. فمخرجات المعاهد الصناعية قادرة على العمل ضمن شركات صناعية متنوعة؛ وقادرة أيضاً على بدء مشروعاتها الخاصة في القطاعات الصناعية المساندة. سيطرة العمالة الأجنبية على سوق المنشآت الصناعية الصغيرة يمكن تفكيكها من خلال التدريب الصناعي المحترف؛ ومبادرات القطاع الخاص ومساهماته في احتضان المنشآت الصغيرة والاعتماد عليها في توفير بعض الاحتياجات والخدمات الصناعية.
الصناعة هي الخيار الإستراتيجي للمملكة؛ في الوقت الذي تسيطر فيه صناعتي النفط؛ والبتروكيماويات على الاقتصاد؛ ما يجعلنا أكثر حاجة لخلق كفاءات صناعية قادرة على تلبية طلب القطاع الصناعي؛ والتوسع في الاستثمار من خلال خلق المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة الداعمة للاقتصاد والمولدة للوظائف. الاهتمام بالعنصر البشري يسهم في دعم التنمية والتطوير والإبداع والتجديد في قطاع الأعمال والمنشآت الصناعية. الشراكة النوعية بين المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني والقطاع الصناعي؛ وفي مقدمه أرامكو السعودية سيكون لها انعكاسات مهمة في خلق الكفاءات الوطنية التي يحتاجها القطاع الصناعي؛ إضافة إلى دعم المبادرين الصناعيين الذين يعتمدون مهاراتهم التقنية والفنية كقاعدة لإنشاء مشروعاتهم الخاصة.