ضابط الجوع والعطش
* ما ضابط الجوع والعطش الذي يصح معه الفطر؟
- الجوع والعطش الذي يسوِّغ الفطر في الصوم الواجب هو ما يخشى ضرره على الإنسان من إيجاد مرض أو ما أشبهه. ولا شك أنَّ الإنسان قد يُضطر أحيانًا إلى الأكل والشرب في نهار رمضان، أو في قضائه، أو فيما أوجبه على نفسه، فإذا خشي الهلاك فإنّ عليه أن يفطر. وأما إذا بلغ به الصيام مبلغًا يحتمله لكنَّه يشق عليه جدًا فإنه حينئذٍ يلزمه أن يكمل الصيام. وإذا كان مسافرًا وناله شيء من المشقة ولو كان في رمضان فإن الرخصة تسعه؛ لأن المسافر له أن يفطر، وكونه يصوم بدون مشقة فهذا محل خلاف بين أهل العلم، هل الأفضل له أن يصوم أم أن يفطر، لكن إذا شق عليه الصيام فإن الفطر له أفضل، وإذا زادت المشقة فـ»ليس من البر الصيام في السفر» [أبوداود: 2407]، وينزَّل عليها حينئذٍ حديث «أولئك العصاة» [مسلم: 1114].
* * *
«من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا»
* ما معنى القيام في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه»؟
- المراد بالقيام: الصلاة - وهي الأصل - والذكر والدعاء، فقيام الليل: عمارته بالصلاة والذكر والدعاء، فإذا قام من الليل ما شاء الله له أن يقوم، وإذا كان خلف إمام وصلى معه ولم ينصرف قبله، وذكر الله في هذا الوقت، ودعا بما كتب له، فإنه حينئذٍ يتحقق فيه حديث «من قام رمضان إيماناً واحتساباً» [البخاري: 37]، أي: من قام رمضان تصديقًا بموعود الله - جل وعلا -، وطلبًا للثواب والأجر المرتب على ذلك منه -سبحانه- فإنه يتحقق فيه الوعد.
* * *
نزول الدم من الحامل
* هل نزول الدم من الحامل في نهار رمضان يُفْسد صيامها أم يلزمها على هذا القضاء؟
- الحامل لا تحيض، فإذا نزل الدم منها حال الحمل فإنّه لا أثر له في الصيام، فتصوم وتصلي وحكمها حكم الطاهرات. ومن أهل العلم من يرى أن الحامل تحيض، وأنه لا مانع من أنه إذا نزل الدم في وقت عادتها بلونه ورائحته أن يكون حيضًا، لكن هذا القول مرجوح؛ لأنّه لو كانت الحامل تحيض لما كان الحيض علامة على براءة الرحم.
* * *
«من أفطر يومًا من رمضان من غير عذر»
* ما صحة حديث: «من أفطر يومًا من رمضان من غير عذر ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه»؟
- هذا الحديث مخرج في (صحيح البخاري) معلقًا، والمعلق ما حذف من مبادئ إسناده راوٍ أو أكثر، وهذا الحديث رواه البخاري معلقًا لكنه بصيغة التمريض، قال فيه الإمام -رحمه الله-: ويذكر عن أبي هريرة رفعه «من أفطر يومًا من رمضان من غير عذر ولا مرض، لم يقضه صيام الدهر وإن صامه» [البخاري تعليقًا: باب إذا جامع في رمضان]، ومعلوم أن المعلقات في صحيح البخاري -وهي تزيد على ألف وأربعمائة حديث معلق- كلها موصولة في الصحيح نفسه ما عدا مائة وستين، أو مائة وتسعة وخمسين لم يصلها البخاري في موضع آخر، فالموصول في الصحيح لا يحتاج إلى بحث، فالعبرة بالموصول ولا ينظر في المعلق، أما بالنسبة لهذه المواضع اليسيرة - مائة وستين، أو مائة وتسعة وخمسين- التي لم توصل في موضع آخر فهذه هي التي تحتاج إلى بحث، ومنها ما يرويه الإمام البخاري بصيغة الجزم: قال فلان، أو ذكر فلان، أو قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو قال عمر، أو ما أشبه ذلك بصيغة الجزم فهذه صحيحة إلى من أُبرِزْ، فنسبتها إلى من ذُكر صحيحة، وأما بالنسبة إلى من حُذِف من رجال الإسناد فهذا المحذوف يضمنه البخاري إذا جزم بنسبته إلى من عُلِّق عنه، وأما إذا ذكره بصيغة التمريض كما في الحديث الوارد في السؤال «يُذكر عن أبي هريرة رفعه» فإن كان ضعفه شديدًا بينه البخاري، فيقول مثلًا: «ويذكر عن أبي هريرة رفعه: لا يتطوع الإمام في مكانه، ولم يصح» [البخاري: 848]، أما إذا كان الضعف محتملاً فلا يبينه.
وفي المعلقات التي تذكر بصيغة التمريض ما هو صحيح على شرط البخاري؛ لأن أهل العلم وصلوا أسانيد المعلقات، فالحافظ ابن حجر له كتاب اسمه (تغليق التعليق) ذكر فيه أسانيد الأحاديث المعلقة بكاملها، فمنها ما هو صحيح على شرط البخاري مروي في كتب الأئمة بأسانيد خرج لهم البخاري، ومنها ما هو صحيح على شرط مسلم، ومنها ما هو صحيح على شرط غيرهما، ومنها الحسن، ومنها الضعيف إذا كان بصيغة التمريض. وعلى كل حال، فالمعلقات محل بحث عند أهل العلم.
هذا الحديث الذي أخرجه البخاري بهذه الصيغة معلقًا بصيغة التمريض وصله أبو داود والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه من طريق سفيان الثوري وشعبة وكلاهما عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن أبي المطوِّس عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-. قال الإمام الترمذي: حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسمعت محمدًا (يعني محمد بن إسماعيل البخاري) يقول: أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس، ولا أعرف له غير هذا الحديث. وقال ابن خزيمة في صحيحه: إن صح الخبر فإني لا أعرف ابن المطوس ولا أباه. وقال ابن عبد البر في (التمهيد): هو حديث ضعيف لا يحتج بمثله. وقال ابن القيم في (تهذيب السنن) نقلاً عن الدارقطني: ليس في رواته مجروح. لكن هذه العبارة لا تنفي أن يكون فيهم مجهول؛ لأن الجهالة قد تطلق ويراد بها عدم العلم بحال الراوي، فعدم العلم بحاله ليس جرحًا له؛ لأنه إذا لم يعلمه هذا الذي حكم عليه بالجهالة يعلمه غيره، وقد تطلق الجهالة ويراد بها جرح الراوي، فالدارقطني يقول -فيما نقله ابن القيم-: ليس في رواته مجروح. وكون أبو المطوس لا يعرف لا يعني أنّه مجروح، لكن يبقى الخبر في دائرة التوقف حتى تعرف حال أبي المطوس، وإذا فُتِّش في بطون كتب رجال الحديث ولم يوقف له على تعديل فإن حديثه لا يقبل؛ لأنه لا يقبل إلا أحاديث الثقات. فهو لا يعرف بجرح ولا عدالة، ويقال في هذا ثلاثة أقوال: أبو المطوِّس، وابن المطوِّس، والمطوِّس، تفرد بهذا الحديث. قال ابن حِبَّان: لا يجوز الاحتجاج بما انفرد به من الروايات، وقال ابن حجر في (تغليق التعليق) وفي (فتح الباري): (قال البخاري في (التاريخ): تفرد أبو المطوس بهذا الحديث ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا)، فهذا الحديث فيه -كما قال أهل العلم- ثلاث علل: فيه الاضطراب، وجهالة حال أبي المطوس، والشك في سماع أبيه من أبي هريرة -رضي الله عنه-. والذي يظهر من مجموع كلام أهل العلم -والله أعلم- أنَّ هذا الحديث ضعيف.
يجيب عنها - معالي الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير - عضو هيئة كبار العلماء - عضو اللجنة الدائمة للفتوى