سلمان بن محمد العُمري
مواجهـة الإرهاب، ومجابهة الأفكار الغالية من غلو وتطرف وانحرافات فكرية تتطلب جهداً منتظماً من جميع الجهات ذات العلاقة فليست مسؤولية قطاع دون آخر، وهو بذلك يحتاج إلى خطط إستراتيجية طويلة الأمد لمحاصرة وتقويض هذا الفكر الدخيل، بل والقضاء عليه كلية واستئصاله من جذوره.
إن مواجهة بؤر الإرهاب ليست مسؤولية القطاعات الأمنية فحسب، بل مسؤولية جميع الجهات ليس سواء والبعض منها يحتاج إلى حزم لتحريك الركود والجمود في تحمّل المسؤولية والاضطلاع بدور ريادي كبير وفق منهج واضح المعالم، وليست المشاركة في إظهار تصريحات صحفية مكرورة يتداولها المسؤولون بينهم فقط.. وكأن دورهم في الشجب والاستنكار على الرغم من أهميته، ولا بد أن يكون مصاحباً لذلك برامج عمل دائمة مستمرة ليست مؤقتة أو نتاج ردود أفعال حماسية!
إن التنظيمات والبؤر الإرهابية التي ارتكبت الأعمال الآثمة في المملكة العربية السعودية لا تختلف عن غيرها من التنظيمات الإرهابية في أيّ مكان آخر في العالم، وإن تعدّدت الشعارات التي ترفعها، أو حاولت التستّر برداء الدين.. مع يقيني أن معالجة بلادنا لهذه الظواهر السلبية «أمنياً» أصبحت مضرب مثل في الحزم والانضباط ووأد المحاولات قبل وقوعها.
وأمام ما حدث من أعمال إرهابية، كان لا بد للدولة أن تلجأ في التعامل مع هؤلاء إلى القوة، لأن هؤلاء قاموا باستعمال العنف في قتلٍ للأبرياء، وسفكٍ للدماء، وتدميرٍ للممتلكات، وترويعٍ للآمنين.. وسائرالأعمال الإرهابية المخزية التي تتنافى مع القيم الإسلامية والإنسانية.
لقد أكّد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - أن جهود المملكة لن تتوقف يوماً عن محاربة الإرهابيين والقضاء على بؤرهم، وأن كل مشارك أو مخطط أو داعم أو متعاون أو متعاطف مع هذه الجرائم عرضة للمحاسبة والمحاكمة، وسينال عقابه الذي يستحقه.
إن الجهد الأمني ليس كافياً وحده للحد من ظواهر الانحراف في الفكر، وتظل الحاجة قائمة لتضافر الجهود في مختلف المجالات عبر خطط وطنية شاملة تراعي العوامل والأوضاع والظروف الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية المؤثرة في أحداث ظواهر الانحراف.. والسعي إلى تعزيز الفكر الآمن كعامل أساس لتعزيز الوحدة الوطنية.
لقد قام هؤلاء المجرمون المتطرفون بالتستر بالدين، ورفع شعارات دينية مثل الجهاد وغيرها لكسب قدر من التعاطف، أو اجتذاب أكبر عدد ممكن من المؤيّدين لأفعالهم، في استغلال خبيث لمكانة الدين في نفوس أبناء المملكة، وحتى لو رفع مرتكبو هذه الأعمال الإرهابية شعار تطبيق الشريعة، والسعي لذلك، فهذا مردود عليهم، وهذه الأعمال الإجرامية التي يرتكبها هؤلاء البغاة والمفسدون، تصبّ في مصلحة أعداء الإسلام في الخارج، إلى الدرجة التي تدفعنا إلى القول بأن هؤلاء البغاة المفسدين أداة لتنفيذ مخططات القوى المعادية للإسلام في تشويه صورة الشريعة السمحة من خلال أعمال إجرامية تقع في بلاد الحرمين الشريفين.
إن هذا الاتفاق الضمني أو التوافق الفعلي بين أهداف منفّذي العمليات الإجرامية، وأهداف أعداء الإسلام، ليس غائباً عن وعي وإدراك ولاة أمر المملكة، الذين أعلنوا أن مثل هذه العمليات الإجرامية لن تزيدهم إلا تمسكاً بشرع الله الصحيح، وأن مسؤولية الدفاع عن وجه الإسلام المشرق تحتّم على الجميع مواجهة هذه الشرذمة الضالة من المخربين حتى يتم اجتثاثها من جذورها.
لقد أكدت الأحداث أن مرتبكي جرائم التفجير يجهلون تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وسماحة ديننا الإسلامي، ويعانون من أمّيّة الفهم والإدراك، فلم يصغوا لبيانات وأقوال العلماء الراسخين المشهود لهم بالعلم، وهم يعانون من الصمم وعمى البصيرة فلم يسمعوا هذه البيانات عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وينصبون أنفسهم قضاة يحكمون بتكفير المجتمع، ويعطون أنفسهم الحق في الخروج على ولاة الأمر، وترويع الآمنين، وإزهاق الأرواح.
فوائد:
* * قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} قوله: {وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}: من تفريج الكروب، وتطهير العيوب، وتكفير الذنوب مع ما تَفَضَّلَ به تعالى من الثواب في تلاوته. (القرطبي)
* * قوله عز وجل: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} (42) سورة إبراهيم، الغفلة معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقيقة الأمور، والآية لتسلية المظلوم وتهديد للظالم. (البغوي)
* * جاءَ في الأدب الصغير لابن المقفَّع: (أصل العقْل التثبُّت)
* * من عجائب البشر أنهم قد يمحون كل ماضيك الجميل مقابل آخر موقف سيئ منك، ومن سعة رحمة الله أنه يمحو ماضيك السيئ كله مقابل توبة صادقة منك. (د.كامل صلاح).