عبدالعزيز بن زيد آل داود
تُختصر حياته في (العصامية) طموحاً وجداً ومثابرة ومهنية.
هذه حياة الدكتور بدر بن أحمد كريم - رحمه الله - واحد من الإعلاميين الذين مزجوا بين المثل والمهنية، في تقدير ينم عن كفاءة فهم وقوة إدراك لما تمثله القيم من ضرورة للحياة.
في تعبيره الإعلامي (إذاعة وصحافة ووكالة أنباء) فهم راق للمسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام كافة.
وهو من الإعلاميين السعوديين القلائل الذين اتخذوا من هذه القيم منهجاً إعلامياً رشيداً في حياتهم الإعلامية، ويسوق الباحث الإعلامي فالح المري عدة مسارات تحدث عنها الإعلامي بدر كريم - رحمه الله - ومن ذلك؛ رفضه لما سمّاه «إعلام تعرية المسؤول» حيث كتب ذات مرة «ليس في وظائف وسائل الإعلام وظيفة اسمها تعرية المسؤول! تلك التي درج بعض الإعلاميين والإعلاميات العرب على تسخير وسائل الإعلام لها، ومقته الشديد للاستغراق في استخدام اللهجة العامية في الإعلام، وتأكيده على ثقافة المساءلة في الإعلام، في سياق معالجته لظاهرة الفساد.
ارتبط الشاب السعودي بعلاقة وجدانية مع الإعلامي بدر كريم، حيث تعددت برامجه التي تعنى بالشباب ولعل كل شاب يتذكر أن اسمه ورد في قائمة الناجحين عن طريق المذيع بدر كريم أو كان مبتعثاً لتعليم في أي مكان، كان صوته هو أول البشريات للأجيال التي تعلمت في الغرب مطلع السبعينات الميلادية، فضلاً عن برنامجه الشهير دعوة الحق الذي يختمه بكلمة مسجلة للملك فيصل - رحمه الله -.
كان أول برنامج إذاعي قدمه بدر كريم في الإذاعة السعودية هو «ركن الصحة» بمناسبة أداء الحجاج نسك الحج، وبهدف بث التوعية الصحية بينهم، وكان وقتها مذيع ربط ثم قرأ مواجز الأخبار، فالأخبار، فقدم برنامج «ألف مبروك» فبرنامج «في الطريق» فبرنامج «تحية وسلام» فبرنامج «طلابنا في الميدان» فبرنامج «ضيف الليلة» فبرنامج «دعوة الحق»، ولذا فإنك لن تعدم من يتحدث بأريحية ويصف الراحل بدر كريم بقوله (تربينا على صوته وعطاءاته الإعلامية وبرامجه الثرية)، أو كما عبر باحث آخر (كم أطربنا صوته وبخاصة في قراءة النتائج كنا نترقب سماع صوته لنعرف نتيجة اختبارات الشهادات).
عندما أتحدث عن عصامية الدكتور بدر كريم فإنما أشير إلى موقف الوزراء منه، يتحدث عن موقف جميل الحجيلان وزير الإعلام الأسبق فيقول: أبعدت عن الإذاعة عام 1379هـ (1959م) لأن «وزير الإعلام آنذاك جميل بن إبراهيم الحجيلان، غير مقتنع بأن صوتي ملائم للإذاعة، فضلا عن عدم وجود مؤهل تعليمي لديّ على الإطلاق (شهادة دراسية) وضحالة ثقافتي، وهزالة معلوماتي العامة»؛ إلا أن الوزير الحجيلان غيّر رأيه فيما بعد.
وكذا تذمّر علامة الجزيرة حمد الجاسر من لغته الركيكة ولكن العصامي درس وتعلم وأتقن وحصل على أعلى الشهادات بعد تقاعده ناقش رسالة الدكتوراة، وهذا برهان كافٍ على جده ومثابرته وتغلبه على كافة الظروف وكأنما خصه الشاعر بقوله:
لم تسمُ همتهُ يوماً إلى شرفٍ
إلاّ حباه بما يَسْمو له الظفَرُ
وليس يسعى لغير الحمد يكسبهُ
وليس إلاّ من المعروف يَدَّخرُ
عَفُ الضمير رحيبُ الباعِ مُضْطلعٌ
لحرمةِ الله والإسلام منتصرُ
أصدر عددا من المؤلفات منها: «نشأة وتطور الإذاعة في المجتمع السعودي» و«دور المذياع فـي تغيير العادات والقيم في المجتمع السعودي: دراسة ميدانية عن قرية خُلَيْص» و«دور وسائل الإعلام السعودية في نشر الثقافة» و«التحديات التي تواجه وسائل الإعلام السعودية» و«أتذكر» وهو عبارة عن سيرته الذاتية و«عصر العاجزين عن الكلام» «أفواه تتلفظ بكلمات عطرة» ورسالة الدكتوراه بعنوان «دوافع التعرض للموضوعات الاجتماعية في الصحف السعودية» و«قراءة في فلك الإعلام» و«سنوات مع الفيصل» و«الإعلام أدوار ومسؤوليات» و«قراءة في فكر الملك خالد نماذج منظورة».
وفي كتبه كافة لن تعدم فائدة بل أراه متعدد الأفكار قوي اختيار المفردة العلمية لما يكتب عنه في دراساته وبحوثه ثم هو ثري الأفكار وهذا يسهل كثيراً على طلاب المراحل العليا للماجستير والدكتوراه في تتبع أثره العلمي الرصين خصوصاً أن المهنية لدى الدكتور بدر كريم عالية ومقدمة على كل شيء.
هو كذلك يجيد اختيار الكفاءات الإعلامية ويصقلها خصوصاً وقد درّس مادة الإلقاء لطلاب أقسام الإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
من جوانبه الإِنسانية الرفيعة تقديره لكل أحد وهذا سمته وخلقه وكم تعلمت منه كثيراً خصوصاً في تعددية الآراء عندما يتحدث يسرد الموضوع بشكل آسر وتخرج بانطباع عام أن الأمر يمكن أن يكون كما قال وفق رؤية تأخذ في حسبانها المسؤولية المجتمعية للإعلامي.
اتخذ لحياته منهجاً مميزاً أن الأفكار هي من تجذبه لا الأشخاص وهذا ملمح كريم في تقدير الأفكار النيرة مع تقديره للإِنسان مهما كان.
يتملكني بدقة مواعيده وانضباطه المهني رغم تقدم عمره، إلا أن التزامه يفوق الخيال ثم إن كل التكاليف عنده مهمة جداً ولها احترامها وتقديرها الذي تستحقه.
في غالبية كتبه التي أهداني نسخة منها يكتب في طرتها مع التحية للأخ العزيز وهذا كرمه وأريحيته التي لا تنفك عنه رحمه الله.
غفر الله للأستاذ والنموذج الإعلامي الفريد الدكتور بدر بن أحمد كريم ورحمه وجعل منازله ووالديه الفراديس العلى من الجنان اللهم آمين.