جاسر عبدالعزيز الجاسر
حتى الباحثون الغربيون، وبالذات الأمريكيون بدأوا يكتشفون إمكانية توظيف الإدارات الأمريكية ومؤسسات المخابرات في أمريكا وواشنطن لمصطلح الإرهاب، وتوجيه عمليات مواجهة العمليات الإرهابية بما يخدم مصالحها.
تصنيف الإرهاب ووصم أبناء الدول الإسلامية به ليس وليد القرن الحالي، بل بدأ الغربيون، وبالذات الأمريكيون الإعداد للعدو المستهدف، والذي سيكون بديلاً عما كان يشغل الغربيون في ذلك الوقت، وكان الهدف الأول للإستراتيجية الدفاعية والسياسة الغربية، وفي مقدمتها الأمريكية، هو الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية التي كانت تمثل في نظرهم إمبراطورية الشر.. وما أن انتصف القرن الماضي حتى بدأ التفكير بمن سيكون الثاني بعد الشيوعيين الذي سيزاحم المصالح الغربية والأمريكية منها.
وبما أن الدراسات والأبحاث لا تأتي من فراغ، فبالإضافة إلى الدراسات التاريخية والدينية والإمكانات الاقتصادية وما يمتلكه الطرف المستهدف من موارد، فقد أرشدتهم تلك الدراسات والأبحاث أن هناك ثلاثة مواقع وقوى مرشحة أن تنافس الغرب في صراع القوى الدولية، فبالإضافة إلى الصين والهند يأتي المسلمون، خاصة إذا ما استطاعوا أن يطوروا علاقة تنظيمية، وأن يقيموا رابطة دولية تطلق قدراتهم الروحية والاقتصادية.
فالمسلمون يشكلون قوة سكانية توازي ما يمثله الصينيون ومن بعدهم الهنود؛ إذ يصل عدد المسلمين إلى قرابة المليار وثلثمائة مليون نسمة، وهم بهذا يفوقون تعداد الصين بمائة مليون نسمة، وعلى الهنود بمائة وخمسين مليون نسمة، كما يتفوق المسلمون عن غيرهم بأن عقيدتهم ودينهم يساعدهم، إن تمسكوا به، على إطلاق قدراتهم ويساعد على توحيدهم، وإن شكل التنوع العرقي والتباين اللغوي عاملاً سلبياً إلا أن المسلمين، ووفق العقيدة الإسلامية، لهم لغة توحدهم هي لغة القرآن، والتي يذهب كثير من المفسرين بأنها لغة أهل الجنة، والله أعلم بذلك، إلا أن الذي يقرب بين المسلمين كثيراً، أن القرآن الكريم والذي نزل على رسول الله محمد بن عبدالله باللغة العربية، يقرأ ويرتل في جميع البلدان الإسلامية بلغة سليمة واضحة، بل أن العديد من العلماء المسلمين ومن مختلف الأمم يجيدون اللغة العربية ويتفوقون في علوم التفسير والحديث والفقه، بل وحتى في علوم النحو، وهذه ميزة يتفوق بها المسلمون على غيرهم من صينيين أو هنود، فالشعبان كلاهما يحفلان بتعدد اللغات والأديان، وبما أن اللغة هي المحتوى الجامع لفكر الأمة فإن المسلمين يمتلكون قوتين تجمعان وتعززان بناء كتلة قوية وهي اللغة الجامعة والدين الواحد، ولهذا ودون أن يغفل المخطط الإستراتيجي الغربي وعلماؤهم قوة الصين والهند، ركزوا في مواجهة القوة الإسلامية الصاعدة والعمل على عدم تمكينها من الوصول إلى بناء القوة التي يمكن أن تتفوق عليهم، وفي هذا السياق صدرت العديد من الدراسات والأبحاث للتصدي لهذه القوة التي تظهر في الأفق، ومنها كتب وأبحاث منها ما قام به مستشار الإدارة الأمريكية برجنسكي، وصاحب مؤلف صراع الحضارات صامويل هنتنجتون تون، وفوكو ياما صاحب مؤلف نهاية الحضارات.
أما كيف تمت صياغة إستراتيجية وخطة عمل لمنع بناء قوة إسلامية فهو ما نحاول الإجابة عليه في المقالات القادمة.