محمد بن قاسم المالكي ">
كثيراً لا يخلو تجمُّع فيه تبادل لأطراف الحديث من السخرية والاستهزاء بالغير بدعوى المزاح، خصوصاً بين أولئك الذين تكسرت الحواجز فيما بينهم فكانوا أقرب إلى بعضهم.
تصدر من البعض كلمات كالسهام تجاه أخ لهم بينهم أو غائب عنهم على سبيل التهكم والتندر على شكله أو حديثه أو فعله، تلك السهام وإن أضحكت السامعين وآنستهم لوهلة، فإنها ذات وقع سيئ على المعني, ولا ننسى تدوين المسجلين لها: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ق 18
حين نترك التوجيه الإلهي المتمثّل في دستورنا ووحي خالقنا تظهر تلك المنغصات، وتتولّد الضغائن والأحقاد، يقول الله تعالى: {يا أيُّها الَّذين آمنوا لا يَسخَرْ قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يَكُنَّ خيراً منهنَّ ولا تَلْمِزوا أنفُسَكُم ولا تنابَزوا بالألقابِ بئْسَ الاسْمُ الفسوقُ بعد الإيمانِ ومن لم يتُبْ فأولئك همُ الظَّالمون}.
كثيرٌ منا يلجأ إلى السخرية والاستهزاء بالغير بدعوى المزاح، في حين أن هدفه الأعظم من ذلك إظهار قدرته واستعراض مهاراته أمام الآخرين في التهريج وزرع الابتسامات المغتصبة بدون أدنى حق له في ذلك.
من يُقدم على مثل هذه الفعلة لديه شعور بالنقص يسعى لإكماله بطرق غير مشروعة، ويكفيه إهانة أن غالبية الخيرية لمن استهزأ به لأنه لا يستهزئ إلا وقلبه ممتلئ بمساوئ الطباع «عسى أن يكونوا خيراً منهم».
السخرية والاستهزاء بالغير تصرف ينم عن أنانية من العيار الثقيل، ومرض يمكن علاجه متى ما أشعرنا أصحاب هذه الصفة بسوء تصرفهم وعدم الرضا عنه وعدم التجاوز عنهم بدعوى أننا لا نغضب من المزاح، بل تلك سخريةٌ يجب دفعها.
دمتم بإيمان وأمان.