د. نوف بنت محمد بن حمد الزير ">
الشباب هم عماد الأمم وعنوان رقيها وعلامة تقدمها وتطورها.
وفي مجتمعنا المبارك الذي يُشكل فيه الشباب أكثر من نصف مكوناته يحتاج منا جميعًا بمختلف مستوياتنا أفرادًا ومؤسسات أن نعي مسؤوليتنا العظيمة تجاه هذا الكنز الرئيس الذي يجب علينا أن نصونه ونحفظه من أن تطاله أيدي العابثين وتناله مخططات الحاقدين.
إن أحدنا إذا وهبه الله مالاً أو شيئًا ثمينًا تراه يمنحه وقته، اهتمامه، عنايته، حرصه ومتابعته؛ بل إنها تذهب زهرة حياته في رعايته والمحافظة عليه.
إن أبناءنا أثمن من كل كنوز الأرض وهم يحتاجون منا إلى أعلى مستويات الرعاية والعناية والاهتمام والدعم.
نعم، لقد اجتهد معظمنا في تأمين المسكن والمأكل والملبس، وتوفير وسائل التعليم والترفيه من التقنيات الحديثة وملاحقة ما يستجد منها، ولكن أبناءنا تشتد حاجتهم إلى ما هو أثمن من ذلك كله!
إنهم بحاجة ماسة إلى أن نعتني ببناء أفكارهم وتنمية عقولهم ورعاية سلوكهم وتأصيل هويتهم وفق ما تقتضيه شريعتنا الغراء وينسجم مع العقل الصحيح والبناء الفكري السليم والقيم الأصيلة التي بها يتحقق صدق الانتماء وعظيم البناء.
فإذا كان البناء وفق الأصول الصحيحة والإشراف المباشر والمكونات القوية استطاع مقاومة الرياح العاتية مهما كان مصدرها وهدفها، وتمكن من صدها إذا داهمته والانتصار عليها بإذن الله.
إن التكوين الفكري لأبنائنا ليس وليد لحظة عابرة ولا نتيجة موقف مفاجئ؛ بل هو رصيد تَشَكّل في مراحل مختلفة غاب فيها أو ضعف المؤثر الأول والمحضن الصحيح وهو الأسرة عن القيام بمهمته الرئيسة أو انخفض مستوى الأداء فيها إلى حد أدى لوجود ثغرات أخذت تتسع عبر الأيام، مما أتاح مجالاً لمن هم خارج الدائرة الإيجابية لاقتحامها والنيل من صاحبها وممن حوله.
ألا ترى أنك إذا تركت كأسًا فارغًا كانت الفرصة سانحة لأن يُعبأ من أي مواد حتى لو كانت ملوثة خطيرة أو سامة!
أما إذا ملأنا الكأس ماءً عذبًا رقراقًا فإن ذلك يُغلق المجال أمام كل مادة أخرى غيره أن تجد لها حيزًا فيه!
إن مسؤوليتنا أمام الله تعالى ثم أمام أنفسنا وأبنائنا وأوطاننا وأُمتنا تحتم علينا أن نملأ أجواء أبنائنا حبًا وألفةً وحوارًا واحتواءً، ونبني فيهم الصدق مع الله والصدق مع أنفسهم ومن حولهم ونكون لهم مرجعًا رئيسًا يأوون إليه في أفراحهم وأتراحهم، في مشكلاتهم واستفساراتهم ويجدون لديه الاحتواء والحب والحنان والرعاية والعطف والحكمة في معرفة الأخطاء والقدرة على التعامل معها وتصحيحها.
إننا بذلك نحقق مستويات متقدمة من الفكر الوقائي الذي يحميهم بإذن الله من أشواك العابثين، أفكار المضللين، سلوكات المنحرفين وتُرّهات الجاهلين.
ونصونهم من أن يكونوا حطبًا يوقد بهم أعداء الإسلام ويشعلوا بهم فتيل فتن تُطلق حممًا مدمرة تحرقهم وتُحرق أممهم وأوطانهم.
هذه الرؤية يجدر أن يتبناها الوالدان في أسرهم والمعلمون في مدارسهم والأطباء في مستشفياتهم والمهندسون في منشآتهم والإعلاميون في برامجهم والكُتّاب في مقالاتهم والمدربون في دوراتهم وكلُّ واحد في محور أدائه فكلنا مسؤول، أجل! كل إنسان مسؤول وكل مسلم ينبغي عليه الالتزام بمسؤوليته الشرعية والإنسانية والأخلاقية والوطنية كل في موقعه يعتني بتحقيق رؤية ورسالة وهدف يخدم الدين والوطن والإنسانية أجمع.
نعم أن لدينا شبابًا رأسًا في الفضيلة وبحرًا في العطاء وراية في الحق وقدوة في السلوك.
وأُسرا قد بذلت الغالي والنفيس واستطاعت بفضل الله أن تنشئ جيلاً تقيًا نقيًا مبدعًا يسامر القمة دينًا وأدبًا وخلقًا وعلمًا وفكرًا وسلوكًا. وحقق المراتب العالية في مجالات شتى في الحياة.
ولكننا نحتاج إلى المزيد من النُخب التي تشرئب لها الأعناق على كافة الميادين والأصعدة.
هكذا ينبغي أن نكون ولأجل هذا يجب أن نعمل لأننا أُمّة نَهَلتْ من فضلها الأممُ.