محمد آل الشيخ
في المملكة لا يختلف المهتمون بالفن والإبداع وشؤونه، على أمور أربعة:
أولها : أن الأمير بدر بن عبدالمحسن هو الشاعر الغنائي الأول، والمنفرد بالصدارة، ولا ينافسه في امتلاكه قصب السبق أحد.
وثانيها: أن محمد عبده هو الفنان والمطرب الأول وبلا منازع كذلك.
وثالثها : أن ناصر القصبي هو الفنان والممثل المتميز الأول الذي علمنا في (طاش) أولا، وفي (سلفي) ثانيا، أن غياب االنقد الساخر، يُهيء البيئة الاجتماعية المعاصرة لأن تنمو فيها أنواع بشعة وسامة من حشائش التطرف والكراهية، التي يصعب اجتثاثها لاحقا.
ورابعها : أن نادي الهلال هو لوحة نادرة وباذخة من الفن الكروي الجميل في أرقى و أسمى وأثرى معانيه.
وأنا هنا لا أجامل بقدر ما أصف حقائق على الأرض، وسوف أطرح مبررات ما ذهبت إليه في ما تبقى من هذا المقال، ولأن الحيز لا يتسع، سأكمل في المقال الذي يليه ما بدأته في هذا المقال.
فالمبدع والشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن كتبت وكتب غيري عنه وعن إبداعه وتميزه وعن شعره وثراء شاعريته مرارا وتكرارا، غير أن أفضل من كتب عن بدر، هو بدر نفسه، في قصيدة تجرُّ أثواب الأناقة والجمال، زفّها إلى مقام الملك فهد - رحمه الله - يصف بإيجاز وإبداع من يكون؛ يقول:
يا سيدي والله ما أشوف الأنداد
أنا وحيد الشعر ما خلق ثاني!
وليس ثمة وصفا أجمل ولا أصدق من هذا البيت الذي سارت به الركبان؛ فإن قال قائل : إنها نرجسية؛ قلت: النرجسية شعر والشعر ضرب من ضروب النرجسية؛ أليس المتنبي هو من قال ذات إبداع:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صممُ
ونسي التاريخ جميع من عاصروا المتنبي كبارهم حينها وصغارهم على السواء، و بقي هذا القامة الشعرية الشامخة، محطة متميزة في تاريخ الشعر العربي حتى يومنا هذا؛ فالفنان المتواضع انسان مهتز متضعضع؛ يستجدي إعجاب الجماهير، ويتملقهم بتواضعه؛ بينما النجوم تبقى في السماء، ولا تنحدر إلى القاع إلا إذا هوت.
وغاب الفنان محمد عبده عدة سنوات، أجدبت فيها فنيا صحراؤنا وجبالنا، وغزاها القحط والجفاف، وهاجرت كثير من العصافير روضها وحقولها وعناقيد نخيلها، وكأنه بغيابه كان يختبر مكانته، ويفحص أبعاد قيمته، فلم يصل إلى ما وصل إليه أحد؛ ثم عاد لتتلقاه قلوب محبيه قبل آذانهم، وليتربع من جديد على عرش الفن والطرب، بعد أن انحدر الإبداع والتميز بغيابه إلى حضيض الحضيض. وليس لدي أدنى شك أن هذا المطرب (الفلتة) سيبقى في ذاكرة الفن العربي كما بقي المتنبي في ذاكرة الأدب.
أما نادي الهلال فقد عاد إلى أوج مجده وتألقه وتوهجه من جديد، حين تسلم الكأس الملكية الغالية من يد الملك الغالي في ليلة كانت من أجمل الليالي الكروية الممتعة؛ فالهلاليون في تلك الليلة لم يكونوا يلعبون كرة قدم فحسب، وإنما كانوا يُسطرون على العشب الأخضر أجمل القصائد وأروعها، ثم يرفعونها (شيلات سامري وعرضه) يُطربُ جمال ألحانها وأوزانها وعذوبتها القلوب قبل الآذان.. وستعود بعودة الهلال منتخبات المملكة الكروية إلى سابق عزها ومجدها، وتحتكر الصعود إلى منصات التتويج حتماً وليس احتمالا، خاصة بعد أن تسلم رسن قيادة الهلال، رئيس كاريزمي الشخصية، مُتّقد الذكاء والفطنة والحيوية، أعرفه جيدا مذ كان صغيرا، حازم حاسم، يعرف كيف يقود، وكيف يتخذ القرار الصحيح، في الزمن الصحيح، والأهم يعرف جيدا من أين تؤكل الكتف ومتى، لا تأخذه في مصلحة الهلال لومة لائم، أو تدخلات ووساطات بعض أعضاء الشرف، خاصة (الغثيثين) منهم؛ وهو الأمير نواف بن سعد بن عبدالله بن عبدالرحمن؛ وأكاد أجزم بنجاحه، وسوف تتذكرون ما أقول لكم، حينما يحصد الهلال البطولات الواحدة تلو الأخرى، كما كان منذ أن تأسس على يد الرائد والرمز في تاريخنا الرياضي، وشيخ و والد الرياضة والرياضيين، الشيخ عبدالرحمن بن سعيد تغمده الله بواسع رحمته.
أما (المبدع) العائد بعد طول غياب إلى ساحة التألق، فهو الفنان المبدع «ناصر القصبي»، وسوف أخصص له ولعودته مقال يوم الجمعة القادم إن شاء الله.
إلى اللقاء