دراسة السيرة النبوية تزيد الثروة العلمية للداعية وترفع من قدرته في خطابه الدعوي ">
الرياض - خاص «الجزيرة»:
أكد أستاذ السيرة النبوية وعضو اتحاد المؤرخين العرب الاستاذ الدكتور عبد العزيز بن إبراهيم العُمري أن ضعف مكانة الأمة في العالم بسبب ضعف صلتها برسولنا وتعاليمه عليه أفضل الصلاة والتسليم، وأن الأمة خلطات ثقافتها بثقافات أجنبية مختلفة وأشغلت أذهان أبنائها بقيادات وزعامات وأمور عن سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - حتى إنك في مجلس واحد يرد فيه الحديث عن الأندية مائة مرة ولا يرد الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - ولا مرة واحدة.
وكشف د. العُمري أن هناك نقصا كبيرا في طريقة عرض سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلَّم - بالوسائل المعاصرة عن طريق الأفلام الوثائقية وغيرها، كما أن هناك تقصيرا من الجمعيات الدعوية أو الجمعيات العلمية التاريخية والحضارية في جانب السيرة النبوية، وأنه لا بد من تفريغ بعض الأكاديميين الذين يمكن أن يديروا بعض المشروعات العلمية.
كما تناول حوار «الجزيرة» مع الاستاذ الدكتور عبد العزيز بن إبراهيم العُمري أستاذ السيرة النبوية مجموعة من القضايا المتعلقة بكتابة السيرة، ورؤية بعض التربويين والاجتماعيين تجاه ذلك، وما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي عن السيرة النبوية.. وفي ما يلي نص الحوار:
* إذا تحدثت عن رحلتك مع سيرة رسولنا المصطفي ماذا تقول؟
- أقول إن سيرة رسول الله ينبغي أن يعرفها جميع المسلمين، بل وغير المسلمين فهو خير البشر صلوات ربي وسلامه عليه وهو أفضل الناس للناس وأنفعهم للناس، لذلك لا بد للمسلم أن يدرس ويفقه سيرة رسول الله ويتأسى به سواء كان عالماً أو متعلماً، قائداً أو مقوداً، فقيراً أم غنياً، في كل المجالات سيجد ما يستفيد منه، ولذلك في تربية الأهل للأبناء في التعامل مع الناس كلها تستقى من سنة رسول الله وسيرته، ولذلك لها تأثير كبير على حياة الشخص حينما يلتصق بحياته، حيث إنه يأنس بها ويتبارك بها وتناله من بركة محبته التي تتأصل في نفس الإِنسان حينما يتعلم سيرة الرسول، فتزيد محبته له صلوات ربي وسلامه عليه، نحن نعرف حتى غير المسلمين مقتنعين بأنه أفضل إِنسان مر على تاريخ البشرية ولذلك «مايكل هارت» في كتابه: «أعظم مائة رجل في تاريخ الإِنسانية»، جعل المصطفي أول مؤثر في حياة البشرية، بل حتى جعله أسبق من آدم ومن عيسى ومن بقية الأنبياء - عليهم السلام - مع احترامنا لهم جميعاً، ومع كون الكاتب غير مسلم فقد أكد على هذه القضية وهي أولوية قيادة الرسول للبشرية، وعلى أن يكون الأول في تاريخ البشرية تأثيراً، ومن هنا فهذا الحديث وغيره يصدق كلام الله سبحانه وتعالى {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}.
* ما أثر التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية في واقع الأمة الحالي؟
- إن من يدرس تاريخ الأمة يجد أن من تعلم سيرة الرسول وسنته كانوا خير الناس لأمتهم وأنفعهم للإِنسانية في كل المجالات سواء المجال السياسي والقيادة أم المجالات العامة وغيرها، فكان كل من يدرس سيرة الرسول يدرك أوامره في أن أحب الناس إلى الله هو أنفعهم للناس، أما في هذا الزمان فلا شك أن الأمة خلطت ثقافتها بثقافات أجنبية مختلفة وأشغلت أذهان أبنائها بقيادات وزعامات وأمور في مجالات مختلفة أشغلتهم عن سيرة الرسول، فقد تجلس في مجلس أحياناً يرد فيه الحديث عن الأندية مائة مرة ولا يرد الحديث عن الرسول ولا مرة واحدة، أو الحديث عن قضايا أخرى مختلفة حصلت الآن، وذلك حينما ضعفت صلة الأمة برسولها وبتعاليمه رأينا كيف ضعفت مكانتها في العالم، وبانشغالها بالتوافه أصبح كثير من الأمة أو المنتسبون لها من التوافه لا تأثير لهم على الأمم الأخرى ولا على أنفسهم فهم كغثاء السيل.
* يرى بعض التربويين والاجتماعيين أن تاريخ السيرة النبوية لم يكتب بعد، وذلك لعدم وجود آثار واضحة في المجتمعات العربية والإسلامية؟
- في الحقيقة تاريخ السيرة كُتب وكُتب بعناية في شتى المجالات وكُتب قديماً وحديثاً وبشتى اللغات ولا يزال يُكتب ولذلك ليس هذا الكلام صحيح على علاته، والذين يقولون هذا الكلام لا يعرفون ما خرج وما يزال يخرج من عشرات ومن مئات المجلدات وبكافة اللغات وفي شتى الجوانب المختلفة من سيرة الرسول، لكن النقص في الحقيقة يأتي في طريقة عرض سيرة الرسول بالوسائل المعاصرة عن طريق الأفلام الوثائقية وغيرها. نعم هناك نقص كبير في الوسائل المعاصرة وطريقة عرض سيرة الرسول، أما الكتابة بحد ذاتها فهي ثرية وعبر العصور وليس هناك نقص.
* من المعروف عنكم شغفكم الشديد بسيرة النبي، كيف يمكن أن يساهم تدريس هذه السيرة في ترقية الخطاب الدعوي؟
- أولاً دراسة السيرة ترقى بذات الإِنسان وقيمه وتمسكنه بثوابته وعزته بدينه وإسلامه، وهذا منطلق أصلي للإِنسان قبل أن يحدث الناس بحيث يكون بنفسه قدوة في هذا الجانب ويرقي نفسه أولاً، ومن ثم أيضاً يحصل على المعلومات اللازمة لمخاطبة الناس ودعوتهم إلى الخير كل حسب مستواه الذي يناسبه وحسب موقعه الاجتماعي وحسب منصبه العملي، وبالتالي فمن درس سيرة الرسول لا شك أنه سيدرس تعامله مع الرجال والنساء مع الأطفال مع الخدم مع الجيران مع الفقراء مع الأغنياء مع الأصدقاء مع الأعداء، لا شك أنه اطلع على تلك الأمثلة فإنه سيزيد ثروته العلمية التي ترفع من قدرته في خطابه الدعوي والحديث للناس. كما أنها سترفع من روحه المعنوية وتعزز لديه قيم العدل والحق وانتصاره كما وعد الله وحققه لنبيه عليه السلام.
* بصراحة، هل ترى أن الجمعيات العلمية المتخصصة قد أدت دورها المطلوب كاملاً تجاه السيرة النبوية؟
- أنا أرى أن هناك تقصيرا في جانب السيرة النبوية من الجمعيات الدعوية أو الجمعيات العلمية التاريخية والحضارية، وأنا عضو في أكثر من جمعية من هذا النوع أرى أن معظم أعضائها أصلاً مشغولون بأنفسهم وأعمالهم الخاصة وبحوثهم العلمية، لذلك ليس هناك أجهزة متفرغة أو أعضاء متفرغون في هذه الجمعيات ومعظمهم متطوعون، بل أحياناً بعض الجمعيات تفتقر إلى مجرد سكرتير لمتابعة الأوراق، من هنا يكون هناك تقصير في هذا الجانب وفي غيره من الجوانب. ولعل الكراسي العلمية المتخصصة في السيرة النبوية التي وجدت في عدد من الجامعات السعودية أن تساهم في هذا الأمر خصوصاً إذا تمكنت من تفريغ بعض الأكاديميين الذي يمكن أن يديروا بعض المشروعات سواء داخل الجمعية أو خارجها فينتج عن ذلك أعمال علمية وتوثيقية خاصة بالسيرة النبوية يمكن أن تثري هذا الجانب.
* يرى بعض المفكرين ضرورة تجديد الفكر الإسلامي.. هل توافقون على هذه الفكرة، وما هو إطار التجديد الذي ترونه؟
- الفكر الإسلامي أصيل وله ثوابت وله متغيرات، فالثوابت ثوابت لا يمكن أن تتغير بمرور الزمن، أما المتغيرات والأدوات، طريقة طرح الأفكار، التعامل مع الواقع فهذه لها أهلها. ولله الحمد، الدعاة يقومون بدور كبير في هذا المجال وإن كان هناك تقصير الى حد ما لدى بعض الجهات الرسمية الدعوية فالدعاة المحايدون المفكرون الذين هم على الساحة من أكاديميين وغيرهم يؤدون دوراً مطلوباً وهاماً وقائداً في هذا المجال، وينطلقون أكثر من غيرهم خصوصاً في سد حاجة الشباب وتشجع أعمالهم التي تخدم الدعوة مباشرة وغير مباشرة.
* في خضم الحسابات المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المتعلقة بالسيرة النبوية وبعض سير الصحابة، ماذا تقول للمشرفين على هذه الحسابات والمتابعين لها؟
- أقول لهؤلاء فيما صح من روايات عن رسول الله وعن أصحابه ما يكفينا ويغنينا ولا تدفعنا محبة الرسول أو أصحابه إلى أن نزيد في روايات ما ليس منها، بل يكفينا ما صح من روايات عن الرسول وعن أصحابه؛ لذلك عليهم أن يبدعوا في طريقة العرض في الاستنباط، في الفقه، فيما يرتبط بالاستفادة من الدروس من تلك الروايات المختلفة، ولسنا بحاجة إلى أي زيادة بأي دافع كان حتى وإن كان بدافع محبة أصحاب رسول الله ومحبته قائدهم سيدنا محمد. وعليهم أن يملؤوا الفراغ الذي يحس به الناس بإبداع وتميز وجاذبية وإلا ملأه الآخرون.