علي الخزيم
العرب جُبِلوا على حُبِّ الكرم وقِرَاء الضيف، ونساؤهم لا تقل عنهم رحابة وترحيباً بهم والقيام بواجبهم، هذا متفق عليه. غير أن للنساء رأياً يختلف بعض الشيء في رمضان؛ ذلكم أن ربة المنزل إذا علمت بأن ضيوفاً سيَحُلّون على إفطارها تصاب بشد عضلي والتهاب بالقولون ولوثة باللسان ثم ارتجاج بالمخيخ، لأنها في الواقع آخر من ينام بعد عمليات شاقة لإنقاذ المطبخ من آثار اللقيمات والسمبوسك (وفي رواية السمبوسة) وملحقاتها مما تم التهامه وما نجا بنفسه ليس لرداءته، ولكن لأن جوع رمضان جبان يغرينا بكل الأصناف، فإذا ما أعددناها وتذوقنا أولها تجده قد هرب إلى الغد يتربص بنا بغواية وإغراء من نوع آخر، ثم إن ربة البيت أقل القوم نوماً لأنها لا تهنأ به لشدة الكوابيس، فكل دقيقة من (نومها القليل) تحلم بأن اللقيمات قد احترقت، وأُشدد على اللقيمات لأن بعض الناس لا يعد نفسه من المفطرين إذا لم يلتهم قدراً جيداً منها قبل صلاة المغرب رغم أنها كما يقول الأطباء طعام قليل الفائدة مربك للمعدة، يضاف إلى ذلك أن ربة المنزل تنشغل بأمور جانبية لا تقل أهمية عن الشربة والمعجنات، سيقول أحدهم وأين العاملة المنزلية؟ وسيقال له: لم يترك السماسرة المتاجرون بالبشر أي فرصة لعاملة للبقاء مستقرة عند مخدوميها الذين دفعوا أموالهم لاستقدامها، فهم يسعون بكل جهد لتنفيرهن وبيعهن مجدداً بعشرات الآلاف، يقول مواطن ظريف: لن اشتري خادمة بهذا المبلغ وسأصرفه مقابل الإفطار والعشاء العائلي بأفخم فندق نكاية بالسماسرة.
ويتساءل الكثيرون عن الأنظمة تجاه العابثين بالبلد؟ وقد وصل الأمر بالعاملات وسماسرتهن بأنهم ينقلونهن للعمل في أكثر من ثلاثة منازل باليوم الواحد، بساعات محددة واشتراطات معينة زيادة بالتكسب وجمعاً لأسرار البيوت السعودية، ولنسأل: من جاء بهؤلاء ومن سمح لهم بترك أعمالهم الأصلية والعمل بهذه الطريقة؟ ومن الأخبار الطريفة أن عاملات بمشاغل نسائية قد تحولن إلى عاملات منزليات خلال الشهر الفضيل، كما تحولت بعض هذه المشاغل إلى معامل للمعجنات والمخبوزات بأدنى مستوى للنظافة.
أعود لمسألة الدعوة للفطور، فمن ذا الذي سيجرؤ على دعوة الآخرين مع ارتفاع أسعار الأغنام واللحوم عامة وحرارة أسعار الفواكه والخضار؟ فيبدو لي أن التريث وإعادة الحسابات قبل التلفظ بالعزيمة أمر مهم تجب مراعاته، لأنك بذلك قد تجمع مساوئ عدة أولها أنك ستجلب (المقاضي) بتلك القيمة الثقيلة وتتركها أمام سيدة المنزل ثم تتوجه للنوم حتى موعد الإفطار، ثانيها أنك ستجلب لها عند دخولها المطبخ منذ الظهيرة وهي صائمة جملة من أعراض الأمراض خلال ساعة واحدة تستمر آثارها ثلاثة أيام حتى موعد مناسبة أخرى هنا أو هناك، فارفقوا بهن ووفروا نقودكم وطاقاتهن لما هو أهم، لا سيما إذا علمنا أن كثيراً ممن ندعوهم لإفطار رمضان إنما يوافقون للمجاملة ليس إلاّ، والأغلبية العظمى يفضلون الإفطار بمنازلهم، قرب مساجدهم بعيداً عن الرسميات والالتزامات والتكلف، فاجّلوا الكرم العربي إلى ما بعد العيد، وبورك بالمقتصدين.