إبراهيم عبدالله العمار
من المشاهد الشائعة في الأسواق مشهد عامل أمامه طاولة عليها صحون صغيرة فيها أجبان أو لحوم أو قهوة إلخ، ويعرض عليك عينة مجانية. لماذا يعطونك شيئاً بلا مقابل؟
الحقيقة أنها ليست بلا مقابل.. بل يحتمل أنهم يتوقعون منك شيئاً. إنها الطريقة المعروفة باسم «رد الجميل». رغم أن الشركات ترغب فعلاً في إعطاء الناس فرصة لتجربة منتجاتها إلا أن السبب الأهم هو أن يؤثروا على الزبون لا شعورياً بمبدأ رد الجميل، فيعطونك شيئاً بلا مقابل، حينها تشعر بنوع من الدافع غير المباشر لأن ترد لهم صنيعهم، فتشتري من هذه السلعة.
هذه من مبادئ التأثير على الناس التي ناقشها كتاب «التأثير» والذي ذكر عدة مبادئ يستخدمها الناس ليؤثروا على بعضهم بشكل غير ملحوظ لكنه يحقق أهدافاً معيّنة، وأظن الكثير وقع ضحية لتلك المبادئ ومنها مبدأ رد الجميل، ولنتأمل قصة إحدى الطوائف الدينية لتوضيح مدى قوة هذا المبدأ عند الناس. «هاري كريشنا» طائفة تفرعت من الهندوسية عام 1966م، ولتموّل نفسها فقد لجأت للسؤال، ليس في الهند فقط بل في عدة دول غربية انتشرت إليها، فكان من أشهر المشاهد إذا ما مشيت في بعض شوارع أمريكا هو أن ترى بضعة من أفراد هذه الطائفة يرقصون ويهمهمون ويسألون الناس المال وهم في أرديتهم الواسعة ورؤوسهم الحليقة وأجراسهم وخَرَزهم، ورغم أن هذه الطريقة أفلحت في جذب انتباه المارة إلا أنها لم تدر عليهم من المال إلا القليل، ومن أسباب ذلك مظهرهم الرث والمنفّر. ثم في السبعينيات قفزت إيرادات هذه الطائفة قفزة هائلة أمكنتهم أن يتوسعوا إلى عدة دول أخرى. ما الذي حدث؟
استغلت الطائفة مبدأ رد الجميل لجمع التبرعات، بطريقة خفية وبارعة في نفس الوقت جعلت رأي الناس في مظهر الطائفة البالي لا يهم، وأجبرتهم على التبرع. ماذا فعلوا يا ترى ليحصلوا على هذا الكم الكبير من المال؟ لم يغيروا أساسهم، فلا زالوا يسألون الناس التبرع للطائفة، ولكن الآن أضافوا شيئاً جديداً: قبل أن يسألوا الماشي مالاً فإنهم يعطونه «هدية» (وهذه أضعها بين علامات تنصيص لأنها ليست هدية فعلاً وإنما حيلة!)، و»الهدية» تكون عادة إما كتاباً من كتبهم الدينية أو مجلة أو حتى مجرد وردة، وهي أقلها تكلفة. يمشي الشخص وإذا به يفاجأ بوردة تضعها فتاة في جيبه أو بين يديه، فينظر محتاراً ثم يعيدها لها، حينها ترفض الفتاة رفضاً قاطعاً وتقول: «لا! إنها لك!»، حينها يأخذها الشخص مرغماً، بعدها تسأله الفتاة أن يتبرع للفرقة، حينها تؤتي الحيلة ثمارها! إن هذا الشخص الآن لا يستطيع الرفض لأن مبدأ رد الجميل سيجعله يشعر أنه لئيم لو رفض التبرع لطائفة أعطته شيئاً، فيرضخ ويتبرع لهم بما تجود به نفسه.
بعد أن طبقت الفرقة هذه الحيلة انكبت عليهم الأموال، حتى فتحوا مئات المراكز والمعابد حول العالم معتمدين فقط على هذه الحيلة. أساس مبدأ رد الجميل: القبول. بمجرد القبول فإن الشخص يخضع فوراً لضغط لا شعوري يدفعه نحو رد الجميل.
إذا شعرتَ أن هناك من يريد أن يستغلك باستخدام هذا المبدأ فَتَذَكَّر هذه المعلومات.