مطيع النونو ">
تفتخر الأمم وتتباهى الشعوب المؤمنة بوطنها بما يقوم به رجالها الأفذاذ من خدمات تاريخية جليلة لأبناء الوطن. ويقول الملك عبد العزيز - طيّب الله ثراه -: «أنا داعية لعقيدة السلف الصالح، والتمسك بكتاب الله وسنّة رسوله». «ولا أتأخر عن القيام بكل ما فيه مصلحة العرب، وما يوحد أشتاتهم ويجمع كلمتهم». «وأحب النصيحة وما حاولت في وقت من الأوقات أن أعتدي على إخواني،. وكنت في كل وقت أقابل ما يصدر إلي منهم من إساءة أو خطيئة بصدر رحب على أمل أن يرجعوا إلى الصواب ، ولكني إذا رأيت تمادياً في الغي والإساءة أضطر حينئذ للدفاع».
ويؤكد التاريخ بأنّ الملك عبد العزيز قد ارتجل في زيارة قام بها لمكة المكرمة قال فيها: «ما كنا عرباً إلا بعد ما كنا مسلمين. كنا عبيداً للعجم ولكن الإسلام جعلنا سادة.. ويجب أن نعرف حقيقة ديننا وعربيتنا ولا ننساها».
مضيفاً: «نحن لسنا أصحاب مذهب جديد، أو عقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبد الوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنّة رسوله.
لقد بدأ التاريخ السعودي في أوائل القرن الثاني للميلاد، وبدأ في بلدة الدرعية الواقعة في نجد، وهي واحة حولها واحات تبعد عن مدينة الرياض إثني عشر كيلومتراً.
ولم تكن الدرعية قبل أن يؤمها الشيخ محمد عبد الوهاب صاحبة رسالة وكان أهلها حنابلة، ولما جاءها الشيخ محمد عبد الوهاب وعقد العزم على اتخاذها مركزاً ومنطلقاً لإنقاذ نجد ما يحيط بها من البلاد من البدع لتعليم أهل الدرعية جوهر الدين ومعنى التوحيد وليكونوا أتباع طريق السلف الصالح. وأشار الشيخ عبد الوهاب على الأمير محمد بن سعود صاحب الدرعية ومؤسس الدولة السعودية الأولى وكان يتمتع بالدهاء والحكمة، وأشاد ببناء مسجد كبير يتسع لجميع أهل الدرعية للصلاة واستماع الدرس والوعظ وأخذ الشيخ يلقي درس التوحيد ويشرح معنى كلمة (لا إله إلا الله ولا شريك له وتوحيد الألوهية).
وجرت في الدرعية البيعة الكبرى بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب في دار الشيخ أحمد بن سويلم، فقال للشيخ: «أبشر بالخير والمتعة» فرد عليه الشيخ قائلاً: «وأنت أبشر باليمن والغلبة على جميع بلاد نجد، فإنها كلمة لا إله إلا الله، من تمسك بها وعمل لها ونصرها ملك بها البلاد والعباد، وإنها كلمة التوحيد، وإنها أول ما دعت إليها الرسل من أولهم إلى آخرهم».
وأفاض الشيخ في الحديث عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وما دعا إليه وما قام أصحابه من بعده من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد أعزّهم الله بالجهاد في سبيله وأغناهم به، وقال: «إنّ كل بدعة جاءت بعدهم ضلالة في النار».
وفي تلك الجلسة أدرك الأمير محمد بن سعود ما قاله الشيخ وأدرك ما فيها من المصالح الدينية والدنيوية، وقال له: «إنّ ما قلته هو دين الله ودين رسوله الذي لا شك فيه، وأبشر بالنصرة لما أمرت به والجهاد لمن خالف التوحيد، ولكني أريد أن اشترط عليك شرطين:
أولهما: إذا نحن قمنا بنصرتك والجهاد في سبيل الله وفتح الله لنا ولك البلاد لا ترحل عنا ولا تستبدلنا بغيرنا.
ثانيهما: أنا لي على أهل الدرعية خراج آخذه منهم في وقت اقتطاف الثمار فلا تمنعني عن استيفائه».
فأجابه الشيخ قائلاً: «أما الأولى فامدد يدك لأبايعك» فمدها له وقبض عليها الشيخ وقال: «الدم بالدم والهدم بالهدم».
وفي تفسير الدم بالدم والهدم بالهدم... جاء على لسان العرب وفي الحديث «أنّ أبا الهيثم بن النهيان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بيننا وبين القوم حبالاً ونحن قاطعوها نخشى إن أعزك الله وأظهرك أن ترجع إلى قومك، فابتسم النبي ثم قال: «بل الدم بالدم والهدم بالهدم أنا منكم وأنتم مني». فالهدم القبر والمعنى أني أقبر حيث تقبرون وقيل بل المنزل أي منزلكم منزلي، والهدم بالسكون وبالفتح أيضا هو إهدار القتل والمعنى ان طلب دمكم، فقد طلب دمي وان هدر دمكم فق هدر دمي.
وعن ابن الإعرابي: أن العرب تقول دمي دمك، وهدمي هدمك، وهذا في النصر والظلم.
وقال ابن الأزهري: ومن رواه الدم بالدم والهدم بالهدم فهو على قول الحليف تطلب بدمي وأنا أطلب بدمك وما هدنت أي عقدت عنه وأهدرته فقد عقدت عنه وتركته.
وأما الثانية : «فلعل الله يفتح لنا الفتوحات فيعوضك من الغنائم ما هو خير منها».
وهنا أجابه الأمير سعود قائلاً: «لقد حللت أيها الشيخ في بلد خير من بلدك فلا تخشى أعداء الله ولو انطبقت علينا نجد كلها ما أخرجناك عنا».
وعلى هذا الاتفاق والتحالف بينهما على العمل للدين الصحيح والرجوع إلى تعاليم الكتاب والسنّة وإنقاذ المسلمين من البدع والضلال وتعميم الدعوة.
وعقد الأمير محمد بن سعود العزم على القيام بشد أزر الشيخ ونصره بالدعوة التي يدعو إليها، موطد النفس باذل الجهد دون أن يخشى لومة اللائمين ، غير ملتفت إلى عزل العازلين ولا معير سمعه لرأي المرتابين.
ثم طلب الأمير محمد بن سعود من الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن يذهب معه ويدخل الدرعية، وكانت الدرعية في ذاك التاريخ عاصمة للمملكة العربية السعودية، واتخذ منزلاً بالقرب من دار الأمير محمد بن سعود.
إنّ هذه البيعة الكبرى بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب لها تاريخها العظيم للتاريخ السعودي في سنة 1152 هـ الموافق 1740 م، على العمل يداً واحدة في سبيل الله والدين، ويتلخص حلفهما على ما يلي:
الأول: من الناحية السياسية
الثاني: من الناحية الدينية وأن يكون الأمير محمد بن سعود حارساً للدين وناصراً للسنّة وقامعاً للبدع.
وأسفر هذا التحالف على ضم معظم البلاد النجدية في كتلة واحدة تخضع للأمير محمد وتدين بما أوضحه الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن كتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم.
لقد عرف عن الملك عبد العزيز «أنه لا يدخل الحرب إلا في إحدى حالتين»: إذا كان واثقاً من النصر أو إذا أرغم على دخولها، وكان - طيّب الله ثراه - سيد الحكمة والدهاء ويستعين بهاتين الخصلتين في التغلب على أعدائه إذا ما عز عليه الانتصار بالقوة والحرب خدعة أمام الأعداء.
والملك سلمان - رعاه الله - الذي أعلن عاصفة الحزم في الدرعية مع إخوانه قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وكان على خطى والده، وأنّ جزيرة العرب شعب واحد والمملكة واحدة، ويؤكد التاريخ بأنّ العرب لا ينام على ضيم .
لقد كان جند الملك سلمان عند حسن ظنه ينهجون نهجه وينفذون أوامره وينطبق عليهم المثل:
قوم إذا لبسوا الدروع لموقف
لبستهم الأخلاق فيه دروعا
لذلك إنما تعرف أخلاق الرجال ويظهر بشرف نفوسهم بمقدار حبهم لوطنهم وإخلاصهم في خدمته، وهذه راية الجهاد في القوات العربية السعودية بكل أطيافها.
وأقول للملك سلمان: أبا فهد بارك الله اليد التي تبني والأقوال التي تشيد في الوطن الغالي، إنه وطن فوق الطائفية والأحزاب، لأنّ الطائفية هي نوع من الخيانة العظمى، وأن حب الوطن من الإيمان.
وأمام الموقف العدواني الذي اتخذه الحوثيون أعداء الإسلام مع الرئيس اليمني المخلوع عبد الله صالح، كان الملك سلمان مرغماً على الحرب على الفوضى في اليمن والذي بدأ بأن يرفع رجال الانقلاب العلم الإيراني فوق جبال مران بمحافظة صعدة وهي معقل الحوثيين، وهذه المؤامرة الخطيرة يحاكم عليها بالإعدام وإنها تهديد مباشر لعزل اليمن عن الجزيرة العربية.
لذلك كان الملك سلمان بن عبد العزيز عظيماً بين عظماء الرجال وعبقرياً من عباقرة التاريخ سالكاً طريق التاريخ السعودي، معظماً له ومؤمناً برسالته أميناً على عهدهم، عاملاً على إحياء مجدهم وتجديد دولته الحديثة، كما تحددت في البيعة الأولى في مدينة الدرعية، وأقام قصر الجربا فيها منذ القديم، ومعلناً عاصفة الحزم فيها بأنها قوة الصمود لجزيرة العرب وتاريخها ولرد كل من يعاديها ومعتبرها خط أحمر. لذلك كان على حد كبير من نواحي العظمة والإجلال، إنه عظيم في دينه واستقامته في أعماله وعظيم في حلمه وبعد نظره، فهو من نسب أسرة عظيمة في جزيرة العرب اشتهروا بنسب باسم آل سعود إلى جانب آل مقرن والأسرتان حماة الدين والقائمين بهذا الدين السماوي، تنفيذاً للحديث النبوي الشريف: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين».
إنّ الوطنية ليست المحافظة على أرض أبنائنا بمقدار ما هي حماية أرض أولادنا وأحفادنا. وأختتم هذا المقال بما قاله الشاعر الإسلامي الكبير أبو الطيب المتنبي:
وإنما الناس بالملوك وما
تفلح عرب ملوكهم عجم
لا أدب عندهم ولا حسب
ولا عهود لهم ولا ذمم
ويقول الشاعر العربي: ماذا يجدي الشرف في وطن فقد عزوبيته.
كما قال الشاعر العربي الأصيل أحمد شوقي:
وللأوطان في دم كل حرٍّ
يد سلفت ودَين مستحق
فيا وطني لقيتك بعد لأي
كأني قد لقيت بك الشبابا
وفي مقولة صينية: الوطن قبل الروح لأنه مقر راحة الإنسان.