أدب الرحلات الغربي، وآثار رحالتهم يعد امتدادًا لحركة الاستشراق والمستشرقين، والاستشراق بحد ذاته هو من تراث الإمبراطوريات الغربية التي كانت - وما تزال - تحرص على دوام مصالحها في الجزيرة العربية، وحتى الرحلات العلمية ذات الطابع الأكاديمي كانت مرتبطة بالسياسة أكثر من ارتباطها بالعلم والحضارة، ونادرًا ما حادت عن أهدافها السياسية بالإضافة إلى الأهداف العلمية التي ساعدت على توفير معلومات مهمة حول أوضاع هذه المنطقة الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والجغرافية والعمرانية، والإستراتيجية والتاريخية، أو عن الحياة البيئية أو الشعبية والتي كانت جميعها تحت مجهر البحث والنقاش في المؤتمر الدولي الذي عقد برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن آل سعود أمير منطقة حائل على هامش ملتقى حاتم الطائي الثاني الذي ينظمه نادي حائل الأدبي الثقافي بالتعاون مع المؤرخ الحائلي خليف بن صغير الشمري رئيس اللجنة العلمية للملتقى تحت عنوان «حائل في عيون الرحالة». في الفترة 30 (نيسان) أبريل إلى 2 (أيار) مايو الماضي عالجت غالبية الأوراق المقدمة محاور تختص بتاريخ مدينة حائل - شمال المملكة العربية السعودية - السياسي والعسكري والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، عبر تناول رحلات الغربيين الذين قدموا للمدينة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والذين كان لبعضهم أكثر من سبب أو هدف في آن واحد والتي أدت هذه الأهداف وغيرها إلى توافد عدد من الرحالة الأوربيين إلى جزيرة العرب وحائل لرصد أوضاعها السياسية، والاجتماعية والدينية والاقتصادية وغير ذلك. الأمر الذي استلزم من الباحثين الاعتماد على الأرشيفات العثمانية والإنجليزية والأمريكية والنمساوية (أرشيف الأكاديمية النمساوية للعلوم)، إضافة لنماذج من رحلات الغربيين والهنود والفارسيين كما عالجت بعض الأبحاث الحياة العلمية والثقافية في حائل وقامت بعرض وتحليل عدد من المخطوطات التي تناولت ذلك. بينما ركزت بعض الأبحاث عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحياة الشعبية والعمرانية. كما كان لعملات ونقوش وآثار حائل ومدينة جبة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي وقصر النايف- الذي أسس عام 1171هـ - 1757م الذي كان يعد - محطة أساسية للرحالة. نذكر من الأوراق بحث البروفسور رسول جعفري أن من طهران «طريق جبل شمر في الرحالات الإيرانية في العصر الصفوي وبداية العصر القاجري 900 إلى 1220هـ دراسة مقارنة» وأوضح أن المعلومات حول طريق الحج الإيران? من ناحية نجد وحائل في العصر الصفوي والنادري والزندية (من حوالي 900 إلى 1200 الهجرية) قليلة جداً، عکس عصر القاجاري (من حوالي 1200 إلى 1320 الهجرية) ذات المعلومات الوفيرة وقدم دراسة مقارنة للعصرين، مؤکّدًا على تغيير المسير الفارسي من نجد إلى طريق جبل شمر.
وقدم مارسيل كوبرشوك (marcel kurpershoek) من هولندا في بحثه «القهوة والشعر البدوي في جبال شمر: رحلاتي إلى حائل في عام 1988» فصولاً من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي في جبل شمر عبر تجربته الذاتية وزيارته إلى المنطقة في ثمانيات القرن الماضي مقارنًا بين مشاهداته وتجربته الذاتية ومشاهدات الرحالة الذين سبقوه أعمال تشارلز داوتي الذي زار حائل في أواخر القرن 19. ورصد سهيل صابان من جامعة الملك سعود في بحثه «رحلات الأجانب إلى حائل من واقع وثائق الأرشيف العثماني» توجه العديد من الرحالة الأجانب إلى حائل في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وبدايات القرن العشرين، بعضهم بعلم السلطات العثمانية، وحصلوا منها على أذون السفر، مثل نولده الروسي/الألماني، أما البعض الآخر فقد توجهوا إلى المنطقة دون الحصول على موافقة تلك السلطات، مثل شارل هوبير الذي طلب من تلك السلطات بعد قدومه إلى حائل، السماح له بالتجول في منطقة المدينة المنورة. وعرض أهم ما احتواه الأرشيف العثماني من كتابات هؤلاء الرحالة، وخطاباتهم وتقاريرهم التي أرسلوها إلى الحكومة المركزية في إستانبول، وتقارير عن رحلات هؤلاء الرحالة الأجانب: الإنجليز والفرنسيين والروس والنمساويين وغيرهم ممن قدم إلى شمال الجزيرة العربية في مختلف الأعوام.
عالجت هويدا عزت محمد من جامعة المنوفية بمصر في ورقتها «حائل في أدب رحلات الحج عند الإيرانيين» مدى اهتمام الرحالة والأدباء الإيرانيين قديماً وحديثاً بتسجيل رحلاتهم للحج عبر طريق حائل القديم، والمنهج الذي اتبعه الرحالة الفرس في تدوين رحلاتهم، وأهم أدواتهم المستخدمة، والمصادر التي اعتمدوا عليها، ومدى تدخل العنصر الأيديولوجي لديهم عند حديثهم عن تلك الأماكن العربية منذ رحلة ناصر خسرو التي وقعت أحداثها في القرن الخامس الهجري ما بين عامي (1045م - 1052م) (437 - 444هـ) واستغرقت نحو سبع، مروراً برحلات العصر القاجاري الذي يعتبر عصر ازدهار أدب الرحلات وتناول الفلنديان «Patricia Berg and Kaj ?hrnberg « كاي أورنبيري وباتريسيا بيرغ « حائل في رحلة المستشرق الفنلندي والمستكشف جورج أغسطس والين (1811-1852) في الشرق الأوسط 1843-1850» وكان الين قد طلب للحصول على منحة سفر إلى شبه الجزيرة العربية: لدراسة اللهجات البدوية في الجزيرة والحصول على بعض المعلومات عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية. وبدأ رحلاته من القاهرة يوم 11 أبريل 1845،قاصدًا الجزيرة العربية زائرًا معان، والجوف، جبة، حائل والتي وصلها في 21 سبتمبر 1845م. ومكث هناك لمدة شهرين كضيف على الأمير عبد الله بن رشيد، ثم زار المدينة المنورة، مكة، جدة والسويس وعاد إلى القاهرة يوم 14 مارس 1846.
وعرض الباحث الإنجليزي بيتر هاريجان « Peter Harrigan» جامعة أوكسفورد في بحثه «الخيول العربية الأصيلة في حائل « مدى إسهام حائل في تربية الخيول العربية الأصلية ذات الأنساب العريقة، وتطرق محمد خير البقاعي ملامح « جبل شمر وحائل في كتاب الجزيرة العربية المعاصرة ملحق به وصف شعيرة الحج لأدولف دافريل (1822-1904م) طبع باريس 1868م» وتكمن أهمية البحث في اعتماده على مجموعة كبيرة من كتب المستشرقين والرحالين عن الجزيرة العربية والدين الإسلامي. وعرض لما ذكره المؤلف عن جبل شمر وحائل من حياة اجتماعية وثقافية وسياسية لحائل والجزيرة العربية. وعرضت النمساوية أنيكا كروبف « Dr. Annika Kropf» في بحثها عن السلام والحرب في إقليم حائل عن الملامح السياسية لحائل من خلال الوثائق والأرشيفات النمساوية مثل أرشيف (أرشيف الأكاديمية النمساوية للعلوم، الأرشيف العسكري النمساوي) والوثائق الألمانية حول حائل.
أما علي بن سالم النصيف من كلية الملك خالد العسكرية قدم بحث « التركيبة الاجتماعية للجيش في عملية بناء الدولة في الجزيرة العربية في القرن 13هـ/19م دراسة انثروبولوجية تاريخية في ضوء كتابات الرحالة الأجانب في شمال الجزيرة العربية»واتخذ من نموذج أمارة حائل مثال لدراسته معتمداً بشكل رئيس على ما ورد في كتابات الرحالة عن مجتمعات شمال الجزيرة العربية وحالتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية. وكان من أهم مصادره كتابات داوتي وموزل وبلنت ووالين (فالين) وبلجريف وبوركهارت وغيرهم. وناقش تحولات البيئة الاجتماعية ومدلولات التركيبة الاجتماعية للمجتمع في أمارة حائل في الفترة بين أربعينيات القرن الثاني عشر أوائل القرن الرابع عشر الهجريين/ ثلاثينيات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الميلاديين.
تطرق عبد الله الشمري إلى «صورة حائل في كُتب الرحالة الأتراك» من خلال رحلة سويله مز أوغلي، وهو كتاب نادر استطاع المؤلف تجميع وترتيب عدد كبير جداً من المعلومات والملاحظات التي تدور حول أوضاع الجزيرة العربية وحائل ومنطقة نجد، والتدابير المهمة التي يجب اتخاذها في هذه المناطق، التنظيمات السياسية والإدارية والمحلية.التي كانت سائدة وقتئذ. تعرض عبد الله بن إبراهيم العسكر من جامعة الملك سعود في بحثه « رسائل جيرترود بيل من حائل:منهج غير متبع في كتابات المرتحلين الغربيين». لمجموعة رسائل جرتورد التي تصل إلى 1600 رسالة وتحوي معلومات ثرية جداً. (متاحة على موقع تابع لمكتبة جامعة نيو كاسل البريطانية (www.grety.ncl.ac.uk) واعتمد في ورقتة على الرسائل التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بمنطقة حائل ويصل عددها إلى أربعين رسالة. وتناول خليف بن الصغير الشمري في بحثه المدهش «جبل شمر «حائل» في الرحلات الهندية والفارسية» قسمًا رئيسا من الرحلات الشرقية التي زارت منطقة حائل وما يحيط بها مع عرض متكامل لطريق الحج العراقي الذي كان يفد من خلاله أعداد من الحجاج من بلاد المشرق عبر حائل وقدم نماذج للرحلات الهندية مثل رحلة حافظ الكربلائي والرحلات الفارسية مثل رحلة محمد ولي ميرزا قاجار، ورحلة عصمت السلطنة ابنة فرهاد ميرزا 1297هـ، وحائل في كتاب تير اجل در صدمات راه جبل 1299هـ لمؤلف فارسي مجهول. وأما خاتم فضي الشمري، فأكد في ورقته (مجتمع حائل وعاداته وتقاليده من خلال كتابات الرحالة الأوربيين في القرن التاسع عشر الميلادي) أن دراسة تاريخ العادات والتقاليد في مجتمع حائل، لم تحظ بالعناية الكافية من قبل الباحثين، وهو أمر يُعزى إلى شح النصوص التاريخية وندرتها النسبية. وأنهى الملتقى جلساته بالتوصية على ضرورة توجيه الجهود لدراسة تاريخ المدن السعودية دراسة علمية وأكاديمية يشارك فيها جامعات المملكة بما تملكه من كوادر علمية وبشرية عظيمة. إذ يأتي الاحتفاء بتاريخ المملكة ومدنها كأحد عوامل بناء هويتها الذاتية وترسيخ أثرها الإيجابي في بناء قوة الأمة والمملكة ودعم شبكة النسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي. والبحث في تضاريس الوطن بواقعه وتحدياته، وبإمكاناته وطاقاته، ومستقبله، وذاكرته التاريخية والشعبية الدافعة الناهضة والتزاماَ من أبنائه والقيادة الرشيدة بإحياء كل ما يعينه على البقاء والحياة والصمود.
- د. عمرو عبد العزيز منير