جوليان بيركنشاو:
يومٌ بعد يوم، يتّضح أكثر فأكثر أنه يستحيل تنفيذ المرحلة الثانية من التحوّل الرقمي من دون مساعدة.
وأعني بالمرحلة الثانية استحداث عروض جديدة ليست ممكنة سوى عبر التكنولوجيا الرقمية. وفي المرحلة الأولى، كان يتمّ تحويل العروض العادية، على غرار المقالات المطبوعة، إلى نسخ رقمية ومن ثمّ تُنشَر على الإنترنت.
والحال أن المرحلة الثانية تتسم بالكثير من المفاجآت، حتى في الكتب والصحف والموسيقى والأفلام، التي تُعتَبر الأنسب للخضوع لتحوّلات رقميّة. والواقع أنّنا لم نستطع بغالبيتنا توقّع منتجات المرحلة الثانية ضمن هذه الفئات، بما يشمل مثلاً المدونات الرقمية المباشرة، والمحتوى التفاعلي، والموسيقى المتدفقة، ولوائح الموسيقى، والخدمات المصرفية على الإنترنت على غرار تلك التي يقدّمها «ترانسفر وايز» و»زوبا».
أما المعضلة بالنسبة إلى الشركات الموجودة فهي أنها لا تستطيع المراهنة على التغيير ما لم تتمكن من تخيّله. لذا، يتّجه معظم هذه الشركات إلى البحث الحثيث عن طرق لأخذ العبر من الإبداع الذي يتميّز به عالم الشركات الناشئة.
يكمن الخيار الأول في شراء الشركات الرقمية. ويمكن أيضاً شراء الموهبة الرقمية. أما المقاربة الأكثر طموحاً فهي العمل بشكل استباقي مع الشركة الناشئة – أي الاستثمار في شركات جديدة والعمل مع المقاولين والتعلّم منهم.
فلنطلع مثلاً على صحيفة «ذا آيريش تايمز». فعلى غرار كل الصحف في العالم، نضبت موارد دخلها التقليدية. وتلاقى المدراء التنفيذيون فيها عند ظهور فرصة ذهبية لإعادة استحداث مبدأ تسويق الإعلانات عبر الإنترنت، إلا أنهم لم يعرفوا كيف.
لذلك، في العام 2011، أطلقت الصحيفة ما عرف باسم «فيوجن»، وهو نموذج جديد للعمل مع الشركات الناشئة. ومن هذا المنطلق، تم استدعاء مجموعة من الشركات الناشئة لمساعدة الشركة على تطوير عروض رقمية جديدة. فالفكرة تتمحور حول المنطق التالي: إذا تمكّنت من استحداث تجربة رقمية ممتعة بالنسبة إلى المستخدم، تكون عبارة عن لعبة أو أداة بحث أو موقع لبناء المجتمع، ستأتي عندئذٍ فرص الإعلانات الجديدة. وفي العام 2012، اختارت الشركة 5 طلبات من أصل 105، وفي العام التالي، 20 من أصل 130. وتم تزويد الشركات الناشئة بمكان في مبنى الصحيفة بالإضافة إلى مبلغ محدد من المال والدعم المهني.
واعتبر جون راين الذي أسس «فيوجن» أنها «وسيلة للتحقق من العمل» وليست «حاضنة للشركات الناشئة»، فقد أجبرت هذه الأخيرة على مواجهة المخاطر في السوق ولكن بدعم من النظراء والموجهين. واليوم، أصبح العديد من هذه الشركات الناشئة شركات قابلة للاستدامة، وتم استحداث مصدر إعلانات جديد للصحيفة. أما «فيوجن»، التي أعيدت تسميتها إلى «إيه آي بي ستارتاب آكاديمي» فتم بيعها لمصرف «ألايد آيرش بنك».
ومن جهته، استثمر «باركليز» مؤخراً في أكثر من 20 شركة ناشئة، كما تملك كل من «ويلز فارغو» و»ديزني» و»مايكروسوفت» شركاتها الخاصة. وفي كل هذه الحالات، كان الاستثمار في الشركات الناشئة رهاناً رابحاً وعنصراً مهماً للدفع نحو التحوّل إلى العالم الرقمي.
** ** **
(جوليان بيركنشاو هو أستاذ استراتيجية وريادة مشاريع في «لندن بيزنس سكول»)