د. زايد الحارثي
تتحفنا ماليزيا هذه الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا بتجاربها الجميلة التي تستحق منا أن ننقلها للعالم أجمع ومن هذه التجارب ما يعرف ب»طابونج حاجي» الذي يمنح العالم الإسلامي دروس مجانية ثرية تجعل الحاج في قمة التنظيم وفي ريادة الإبداع
ومثل يضرب به في التآلف والاحترام وحسن السلوك والنظام ومرونة الطباع.
فتجربة ماليزيا في الحج تجربة فريدة ونموذجا رائدا في العمل الإسلامي شرعياً وتربويا واقتصادياً تستحق الدراسة والتوقف عندها بعناية وتأمل، والنظر فيها للاستفادة منها في تنظيم الحج التي تعد طريقتهم مثالية وعملية وأكثر تنظيما والتزاما، فهي تجربة عظيمة مثلها كمثل «المنبر» ووسيلة التي من خلالها يتم مخاطبة الحجاج وإرشادهم وتوعيتهم بمناسك الحج وكل ما يتعلق بذلك من احترام مسلكه التنظيمي ونظامه الدقيق كما جاء بذلك تعاليم ديننا الحنيف الواضحة والصريحة والتي لو ألقينا نظرة لبعض الحجاج لارتد إلينا البصر وهو حسير من المشاهدات المؤسفة المخجلة والممارسات الخاطئة والسلوك المخالف لحدود شعيرة «الحج» التي لم تخضعهم لأسرارها العظام، ولا للنظام، فمن الافتراش على الأرصفة وعدم إعطاء الطريق حقه ومضايقة المارة إلى الأنانية في المأكل والمشرب ومزاحمة ومصارعة الحجاج في أداء الشعائر وغيرها من المخالفات التي تسيء للذوق العام بل وتهدد الأمن والسكينة وغيرها من الأمور التي لم تستطع النفس الأمّارة بالسوء تحملها من العشوائية المكرورة حد العبث برغم أن الله سبحانه وتعالى قال في محكم التنزيل،الناسخ للتوراة والانجيل {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (آل عمران :97).
وقد تحدث عن هذه التجربة الكثير من العلماء والدعاة والمفكرين حيث أشاد عدد من علماء المملكة والعالم الاسلامي بكفاءة ماليزيا في إدارة الحجاج إلى الأراضي المقدسة وقالوا بأنها نموذج مثالي في ذلك، ينبغي أن تسترشد به الدول الإسلامية جمعاء.
وتكاد تكون تجربة ماليزيا في تنظيم الحجاج فريدة في دول العالم الإسلامي حيث تتفرد بالدقة وبُعد النظر والإسلوب الخاص لطريقة أداء مراسم الحج، بل يسبق تلك الفترة عشرات الأشهر والأسابيع، يجتاز خلالها المرشحون اختبارات نظرية وتحريرية وعملية على أرض الواقع لإثبات قدرتهم على أداء تلك المراسم بشكل صحيح بعيدا عن البدع والتجاوزات الشرعية ومن هنا أحببنا أن نتحدث عن هذه التجربة الرائعة وأن نسلط عليها الضوء ونساهم في نقل كل مفيد يفيد هذه الأمة من خلال مقالنا هذا... فالقليل منا يعرف مؤسسة الحج الماليزية التي يطلق عليها اسم «طابونج حاجي»، التي تشرف على شؤون الحجاج الماليزيين وتعليمهم مناسك الحج، وتحضيرهم من اللحظات الأولى حتى إتمام مناسك الحج والذي يستغرق وقتا طويلاً قد يصل إلى سنوات، هي مرحلة الإعداد والتدريب والتأهيل.
وتمثل عملية مراسم الحج عبر «طابونج حاجي»، وهي هيئة متخصصة تتفرد في تنظيم أمور الحج وحجاجها الذين اشتهروا عبر السنوات الماضية بحسن السلوك والالتزام والانضباط.
حيث يجتاز المرشح الماليزية إلى الحج إجباريا 12 درسا أسبوعيا في مسجد الحي طوال 3 أشهر عن طريق أساتذة جامعيين مشهود لهم بالخبرة والدراية في هذا المجال
وفي حالة فشل الحاج «المرشح»فإنه لا يعتبر مؤهلا لأداء هذه الفريضة، فيما يعطى فرصة لإثبات قدرته وإمكانياته، وألا ينتظر حتى العام الذي يليه.
يوجد في كل الولايات الماليزية مدينة للحجاج، يحط فيها الحاج الماليزي الرحال يومين قبل التوجه للمملكة العربية السعودية يرتاحون فيها من قلق الأهل ويأخذون فيها آخر التعليمات ويتعرفون على أفواجهم، ويكون آخر المودعين للحجاج وزير الأوقاف الماليزي الذي يوصيهم بحسن الاعتناء بصورة بلدهم لأنهم سفراء له.
يتمثل دور «طابونج حاجي» في تدريب الحجاج على مناسك الحج قبل ستة أشهر، وذلك بتنظيم دورات نظرية وعملية مكثفة توضح لهم المناسك من خلال عمل مجسم للكعبة وحجر إسماعيل ومقام إبراهيم ورمي الجمرات، ويلبسونهم الملابس الخاصة للحج. وذلك في عدة مواقع كالمسجد الوطني في كوالالمبور، ومدينة بوترا جايا العاصمة الإدارية الجديدة للحكومة الماليزية، وولاية جوهور الجنوبية.
وتأهيل مدربين وعلماء مشايخ، بحيث يترأس كل منهم مجموعة يكون مسؤول عن تدريبها والوصول بها إلى مرحلة اجتياز الاختبارات النظرية والعملية.
كما يعقد «طابونج حاجي»، مؤتمر سنوي عقب انتهاء موسم الحج بشهر واحد تقريبا يتم خلاله دعوة الحجاج وتكريمهم والتحاور والاستمتاع الى تقارير خاصة برحلتهم المقدسة.
التوعية التي تمتد قرابة الشهرين تجعل الحاج مهيأ تماما لمعرفة المناسك والإجراءات المتبعة إلى حين وصوله إلى المملكة ، وتأتي قيمة هذا المشروع وفائدته من خلال:
تيسير عبادة الحج باستثمار الأموال حتى يتمكنوا من الحج، وتدريب الحجاج على المناسك حتى يقوموا بالعبادات بشكلها الصحيح، وتوحيد الفتاوى، وتخفيف إجراءات السفر وتخفيف الزحام فى المطارات... حقا إنها تجربة تستحق الدراسة.